الأحد، 22 فبراير 2015

واشنطن الخرطوم.. وضع القاطرة على القضبان!

الحراك الدبلوماسي الاخير بين السودان والولايات المتحدة والمتمثل في الدعوة الرسمية التي تلقاها وزير الخارجية على احمد كرتي من اعضاء في الكونغرس لحضور احتفالية سنوية في العاصمة الأمريكية، والدعوة الرسمية الاخرى التى تلقاها مساعد الرئيس، والبروفسير غندور للقاء مسئولين أمريكيين وإجراء مباحثات معهم، هذا الحراك من دون شك يمكن اعتباره الاكثر تأثيراً -على المدى القريب والمتوسط- في مجمل الشأن الامريكي السوداني، ليس فقط لطبيعة المحادثات (المؤثرة) التى جرت في واشنطن ولامست عصب القضايا الثنائية الشائكة بقوة، ولكن ايضاً لأن توقيت المحادثات والظروف والملابسات التى احاطت بها لا يمكن ان يُستشف منها سوى أن علاقات البلدين على اية حال قد بدأت بالتحرك الى الامام ولو لخطوات ضئيلة.
ففي العشرين عاماً الماضية ظلت واشنطن على (هواها السياسي) اذا جاز التعبير وذلك لأن هذه الدولة العظمى لا تملك حتى الآن -ولو على سبيل المغالطة- مبررات موضوعية جديرة بالاهتمام بشأن تردي العلاقات مع السودان وإصرارها على معاقبته ومنعه من التقدم.
ولأن العلاقات الدولية كما يشير العديد من الخبراء في هذا المجال قائمة أساساً على المصالح، فإن واشنطن فيما يبدو بدأت في الآونة اخيرة -عقب انسراب الدولة الجنوبية الجديدة من بين يديها- في النظر بعين مختلفة الى واقع علاقاتها بالسودان. بل لا نبالغ إن قلنا ان واشنطن ربما ساورها الاعتقاد ان السودان ورغماً عن كل شيء قادر على ايجاد حل للمعضلة الجنوبية المتفاقمة فى جوبا، بأفضل من غيره، وذلك على الاقل لكونه الدولة الأم.
ربما كانت الولايات المتحدة التى لا تخفى في العادة طمعها في أي حقول نفط في العالم تعتزم التقرب الى الخرطوم في محاولة لإيجاد حل استراتيجي للازمة الجنوبية بحيث تبعد فوهات المدافع عن آبار النفط قدر الامكان.
من جانب آخر فإن واشنطن ايضاً تبحث عن (وسيلة ما) لكي يصبح السودان فى المرحلة المقبلة اقرب الى الاستقرار في ظل الحكومة الحالية التى ربما كانت تناصبها العداء وذلك لأن التفكير في أي بدائل اخرى من صنوف المعارضة إن هو إلا قفز مهلك في الظلام، إذ ان القوى المسلحة التي تقاتل الخرطوم الآن لن تختلف فى المستقبل اذا ما قُدر لها الوصول الى السلطة عن القوى المسلحة المتصارعة الآن في دولة الجنوب، فالعمل المسلح في صميمه ليس سوى طموح، وبحث عن سلطة وثروة، فالمواجهة الدامية بين الرئيس كير ونائبه السابق مشار لا يمكن ردها الى اسباب موضوعية حقيقية.
الولايات المتحدة اذن لم تعد ترغب في (بدائل) للحكومة الحالية في الخرطوم وفى ذات الوقت لا تريد من الناحية الاستراتيجية (التساهل) مع الحكومة السودانية بحيث تسلم لها الامور لها دفعة واحدة! ولذا فإن الامر بدا بوتيرة بطيئة ولا يستبعد ان يزداد البطء على المدي المتوسط.
الولايات المتحدة ايضاً في ظل تنامي ظاهرة التطرف الديني وظهور تنظيميّ القاعدة وداعش، والاخير استحوذ على انتباهها ربما كانت في حاجة للاقتراب من نظام ذي طبيعة اسلامية كنظام الخرطوم ليس لديه كل هذا القدر من التطرف الذي يمكن التخوف منه.
إدراك واشنطن ان السودان يمسك بزمام الامور في إدارة الدولة منذ ما يقارب الربع قرن رغم كل العثرات الصعبة التي واجهته وتمكنه من الصمود حيالها جعل واشنطن -بصرف النظر عن الأسباب- تراهن على إمكانية التقارب مع نظام كهذا في محاولة معالجة الاوضاع المتفجرة فى المنطقة للحفاظ على مصالحها الإستراتيجية.
ولربما بدا لواشنطن ان النظام السوداني مسنود شعبياً، أو أنه الاكثر تفضيلاً لدى المواطنين السودانيين من بين بدائل اخرى غير جادة وغير قادرة على المحافظة على تماسك الدولة. التقارب السوداني السعودي خصوصاً، والخليجي السوداني عموماً ربما لفت الكثير نظر واشنطن على اعتبار ان كل ما يرضي الخليجيين -أياً كان- لا ضرر من ورائه!
وهكذا وسواء كانت هذه أم تلك المسببات، فإن العلاقات السودانية الامريكية ذات الطابع الاكثر تعقيداً وتشابكاً -ومن واقع هذا الحراك الدبلوماسي ذي الاثر الباقي- بدأت في التحرك بجدية نحو غايات مطلوبة ولا ننسى ان واشنطن ورغم كل حالة العداء المستحكم التي كانت تكنها لإيران وكانت الى عهد قريب تطلق عليها وعلى دول اخرى (محور الشر) عملت -وبسرعة- على تطبيع علاقاتها معها، فكيف ببلد مثل السودان لم يظهر حتى الآن اية تطلعات اقليمية او اية تحركات تهدد الامن والسلم الدوليين؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق