الاثنين، 16 فبراير 2015

الطريق الى جسر المنشية عبر جسور الحقائق!

بالطبع ما من حكومة عاقلة لا سيما في بلد كالسودان، النبض السياسي فيه عال والشعور بالقضايا السياسية هو دائماً في مقدمة قضايا الوطن تحجر على أحد توجيه النقد السياسي مهما بدا في بعض الاحيان قاسياً، إذ ان اسطع دليل على اتساع رقعة الحرية الصحفية -رغم كل نقد الناقدين- ان السودان في الوقت الراهن تصدر فيه يومياً 24 صحيفة سياسية مستقلة فإذا اضفنا اليها الصحف الاجتماعية والرياضية المختصصة التى تصدر يومياً يرتفع العدد الى 35 صحيفة يومية توزع آلاف النسخ رغم كل الظروف الاقتصادية ورغم ارتفاع قيمتها!
إذن من المستحيل -عقلاً ومنطقاً-  ألا تكون في هذا البلد المثخن بالجراح مساحة جيدة من الحرية الصحفية ومع ذلك يصدر كل هذا القدر من الصحف اليومية بدأب ومثابرة! غير ان هذا بالطبع لا يمنع من أن نلاحظ ان هذه الحرية الصحفية فى النقد والتناول والتحليل وإيراد المعلومات من أي مظان كانت، قد تقع في بعض الاحيان -وربما دون قصد- فى اخطاء.
من بين الاخطاء (الشائعة) التى راجت مؤخراً وهي مفارقة تماماً للواقع والحقيقة قضية جسر المنشية الذي يربط ما بين منطقة شرق النيل و المنطقة الشرقية لمدينة الخرطوم. الخطأ الشائع الذي راج  في الصحف اليومية ان الجسر الذي لم يكمل عقده الاول حدث فيه تصدع وان تصميمه لم يكن وفق المواصفات، وأن الجسر فى حاجة عاجلة لصيانة!
التحليلات والمقالات اللاهبة التى ضجت بها الصحف (حتى في مستوى رؤساء التحرير) دارت جميعها حول (وجود اختلال) في التصميم وانشاء الجسر من ناحية هندسية وطفق البعض يعدد اوجه القصور وطرق التلاعب والعبث الهندسي. وطفق بعض آخر اشاع اكذوبة تأثر الجسر بالقوارض (الفئران) وإدَّعوا أنّ المسئولين قد أرجعوا اسباب التصدع الى هذه القوارض! ثم سارت الركبان وربما لا تزال بأن (الامر خطير) وان الجسر يحتاج لمعالجة هندسية كبرى.
ربما كان الخطأ على الجانب الآخر (جانب حكومة ولاية الخرطوم) أنها لم تدفع منذ البداية بالجهات الهندسية (الفنية) المسئولة لشرح الامر بوضوح ولكن رغم هذا القصور الاعلامي فقد كان واضحاً ان التناول الصحفي الذي تم اتسم بقدر من التعجل وقلة المنطق! وهذه في الواقع هي النقطة الاساسية المحورية في الازمة كلها. فقد تبين هندسياً ان الجسر فى هيكله وجسمه بالكامل لم يصب بأي خلل او تصدع، بل ثبت هندسياً -بشهادة هندسية- ان الجسر قابل للصمود لمائة عام أو تزيد فهو كما هو منذ انشائه لم يطله أي اختلال.
المشكلة الهندسية كانت في طريق الاسفلت الممتد من ناحية الشرق الى الجسر، فقد اتسع نطاق النيل الازرق من الناحية الشرقية لأمتار وأحدثَ ما يعرف بـ(الهدّام) وهو أمر بيئي يمكن اعتباره طبيعياً خاصة اذا وضعنا في الاعتبار ان مجرى النهر نفسه (من الناحية الغربية) حدثت فيه بعض الانشاءات التى ربما تسبب فى جعل النهر يتجه شرقاً قليلاً فهو مجرى مائي يبحث عن منافذ لإطلاق عنفوانه!
الجزء الشرقي بفعل تآكل التربة أثر على دعائم طريق الاسفلت والمعالجة التي تجري حالياً، إنما تجري في هذا الموقع لتثبيت دعائم الطريق الاسفلتي في ناحية شرق النيل. ان الاهتمام الاعلامي بقضية جسر المنشية وإن كان موضوعياً ومطلباً باعتباره واحد من المنشآت الحيوية المهمة المرتبطة بحياة المواطنين ولا بد من إيلائه اهتمام فوق العادة إلا ان (التدقيق) قبل اطلاق الاحكام والتثبت قبل الخوض في قضية هندسية فنية كان ولا يزال امر استراتيجي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق