الخميس، 12 فبراير 2015

واشنطن والخرطوم والطرف الثالث

في منتصف العام 2002م عندما كنت استمع إلى المذياع على الموجة القصيرة أدرت المؤشر فاستقر على إذاعة (the voice of Ame ico) وكان البرنامج الذي يقدم هو (focus on Africa) والذي يعني بالتركيز على الشئون الأفريقية في إذاعة صوت أمريكا، ومن غريب الصدف والذي شدني إليه أن الذي كان يتحدث هو آخر سفير أمريكي في الخرطوم – سفير وليس قائماً بالأعمال – قبل أن تسوء العلاقة بين البلدين ويتم تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى درجة القائم بالأعمال، وكان موضوع تلك الحلقة من البرنامج هو مستقبل السودان ما بعد نيفاشا، وقد كانت اتفاقية السلام الشامل لم تكتمل بعد وجرى فقط التوقيع على بروتوكول نيفاشا، كان حديث السيد السفير الأمريكي الذي استمر في الإجابة على أسئلة مقدم البرنامج لأكثر من خمسين دقيقة يركز على من الذي سيؤول إليه حكم السودان بعد قيام الانتخابات التي تعقب إكمال عملية السلام ومضي الجزء الأكبر من الفترة الانتقالية، كان يري بأن الفترة الانتقالية كفيلة بأن تغير في معادلة الحكم في السودان وأن مشاركة الحركة الشعبية في الحكم بنسبة تقارب الثلث بالإضافة إلى نسبة معتبرة للأحزاب الجنوبية والشمالية المتحالفة معها، فقد كانت حصة تلك الأحزاب مجتمعة 48 بالمائة من البرلمان، كان السفير يري أن الإسلاميين لا وجود قاعدي لهم في السودان، وأن مجرد تغيير النسب في الحكم والتحالف بين الأحزاب العلمانية والحركة الشعبية وقوى الهامش كما يسميها سيكفل لها الأغلبية الميكانيكية وبالتالي  ستستطيع الوصول إلى السلطة بالانتخابات لأنهم – أي الأمريكان – يريدون للتيار العلماني أن يهيمن ويزيح الإسلاميين ثم تابعت بعد ذلك كيف فشل هذا المخطط الأمريكي بفوز الإسلاميين بالانتخابات في العام 2010م ما جعل فصل الجنوب خياراً مرجحاً للضغط على السودان من خلال هذه الدولة الجارة وتمرد الأطراف وإثارة الأزمات في المناطق المتنازع عليها مع السودان، كل ذلك في إطار إدارة السودان بالأزمات حتى لا يستقر وينهض.
حاشية:
ظلت علاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع السودان رهناً لطرف ثالث باستمرار يكون أحياناً المعارضة السودانية خاصة اليسار الجديد الذي يتعامل مع الرأسمالية الغربية بلا حدود ويتقدمه يساريو قطاع الشمال وخلاياهم داخل الأحزاب، وتارة أخرى يكون جماعات الضغط الصهيوني في الولايات المتحدة، لكن الجديد الذي يجب أخذه في الاعتبار أن العلاقة ستمضي فيما بعد بناء على معطيات مباشرة لا يكون للطرف الثالث فيها يد، وهي أن الخطة البديلة للأمريكان هي التعامل مع الإسلاميين إذا استطاعوا الفوز في الانتخابات بعد النجاح في تنظيمها وقيادة الحوار نحو ضرب من الوفاق الوطني، لأنها ترمي إلى التعاون مع الإسلاميين ومن ثم تفكيكهم من الداخل، إذن يمكن القول إن محاولات عرمان وغيره من تيارات المعارضة في التشويش على زيارة غندور إلى واشنطن غر مجدية لأنها تحاك هذه المرة بعيداً عن أي طرف ثالث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق