الثلاثاء، 17 فبراير 2015

كرتي في واشنطن.. دبلوماسية نقل المواجهة الى دار الخصم!

ربما كان من حسن حظ السودان بشأن علاقاته المتأرجحة مع الولايات المتحدة الامريكية أنه يواجه فريقين من الرافضين للاتفاق بين الدولتين. فريق على الجانب الامريكي ويتمثل في جماعات الضغط المتطرفة التى ما تزال تعيش على ماضي سياسي تجاوزته الاحداث فعلياً، وهو ما يزال متجمداً في نقاط وقضايا قديمة لا تتصادم مع طبيعة المتغيرات التى عادة ما تجري في نهر السياسة الهادي فحسب، ولكن تتقاطع حتى مع طبيعة الذهنية الامريكية سريعة الايقاع الميالة بطبيعتها للتغيير والمواكبة.
الفريق آخر على الجانب السوداني؛ وهؤلاء يمكن تصنيفهم بموضوعية شديدة في خانة (الناقمين سياسياً) وليس فقط المعارضين لأي تقارب سوداني أمريكي لأنهم -وإن لم يقولوا ذلك صراحة- إذا ما حدث هذا التقارب فقد فقدوا عملياً الارضية السياسية التى ينطلقون منها في معارضة الحكومة السودانية.
و قد كانت احدى ابرز تجليات هذا التناقض الغريب الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية السوداني على أحمد كرتي الى واشنطن، ففي حين أكدت وزارة الخارجية السودانية عبر تصريحات لوكيلها عبدالله الازرق ان الوزير السوداني ذهب الى واشنطن بدعوة رسمية لحضور منشط امريكي وان الرجل ذهب وفي حقيبته الدبلوماسية ما وصفه الازرق بـ(ما يحفظ المصالح الوطنية للبلاد) وذلك عبر اللقاءات المكثفة التى استطاع الوزير تحقيقها مع العديد من قادة الكونغرس وتناولت مختلف الشأن الدبلوماسي بين البلدين وتصحيح بعض الامور المغلوطة؛ فإن ناشطون أمريكيون مثل المنظمة اليهودية المعروفة (متحدون لإنهاء الابادة الجماعية) غالطوا بشأن طبيعة الزيارة وإدعوا أن واشنطن لم تقدم الدعوة أساساً للوزير السوداني!
نشطاء آخرين على الجانب السوداني -أثارت الزيارة مخاوفهم- قالوا إن الوزير كرتي ذهب الى واشنطن بدعوة من منظمة مسيحية -أنظر هنا كيف بدت للحبكة الدرامية- حتى يثير الاشمئزاز لدى عامة السودانيين! وزعموا أنّ المنظمة المسحية تود (مكافأة) الوزير كرتي (شخصياً) على دوره في إطلاق سراح الفتاة السودانية الشهيرة (ابرار)! التى كان قد صدر ضدها حكم قضائي بالردة قبل ان تقرر محكمة الاستئناف لاحقاً إطلاق سراحها!
وهكذا ففي الحالتين فإن المهم في الامر والذي عجز الفريقين -الامريكي المعادي للسودان، والسوداني الحانق على الحكومة السودانية- عن تبرير الكيفية التى على اساسها حصل الوزير السوداني على دعوة رسمية من الحكومة الامريكية! كما عجز عن إيراد صورة كاملة لطبيعة اللقاءات التى أجراها الوزير هناك! كما بدا واضحاً-وهذه هي النقطة المركزية في الموضوع- ان الفريقين (فوجئا) تماماً بظهور الوزير في واشنطن وفي عمق مواقع المسئولية وصناعة القرار في ذلكم البلد الاكثر إثارة للجدل على مستوى العالم.
إن نجاح الوزير السوداني فى التقاء بعض الاعضاء في الكونغرس والتباحث معهم بشأن قضايا السودان واختراق الوزير السوداني -رغم أنف المنظمات اليهودية والناشطين السودانيين المعادين لبلادهم- لمنظومة صناعة القرار الامريكي لهو عمل دبلوماسي يحفه نجاح باهر بصرف النظر عن المحصلة النهائية، ذلك ان سعي السودان لإنهاء المقاطعة الاقتصادية أحادية الجانب، ورفع اسمه من قائم الدول الداعمة للارهاب هو سعي استراتيجي بالغ الاهمية، من الضروري ان يبذل فيه السودان كل ما في وسعه، ففي السياسة التى يقال انها فن الممكن فإن النجاح إنما يقاس بتحقيق مصالح الدولة السودانية في أي مكان كانت وتحت اي ظرف كان طالما أن ذلك جرى في إطار دبلوماسي مشروع!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق