الاثنين، 23 فبراير 2015

دبولماسية اللقاءات المباشرة بين واشنطن والخرطوم نقلة نوعية مهمة!

على الرغم  من ان كلا الزيارتين (كرتي وغندور) الى العاصمة الامريكية واشنطن لم تحسم بعد بل وربما لم تضع حتى الآن اساساً جيداً لإمكانية تطبيع العلاقات السودانية الأمريكية باعتبار ان الملف الذي ظل شائكاً لما يجاوز العقدين من الزمان يصعب حسمه في بضع ايام أو أسابيع او بزيارة او زيارتين مهما كانت درجة الاختراق فيها إلا ان ما يمكن استخلاصه من واقع هذا التطور الكبير بإمكاننا ان نلمس نتائجه الاستراتيجية الضخمة في عدة نقاط.
النقطة الاولى -والأهم على الاطلاق- ان طفرة دبلوماسية واضحة قد طرأت على العلاقات بين البلدين من خلال النقلة التى حدثت في طريقة الاتصال والتباحث. إذ المعروف ان اقصى وسائل الاتصال والتباحث بين البلدين طوال السنوات الطويلة السابقة كانت تقف عند حدود المبعوثين الخاصّين، فقد مرّ على السودان حوالي 5 مبعوثين خاصين، ناقشوا وباستفاضة الملفات العالقة بين الدولتين، ولكن كان واضحاً ان الادارة الامريكية بإتباعها لهذا النهج في التواصل الدبلوماسي كانت فقط تمارس عملية (تبريد) اذا جاز التعبير لهذه الملفات مع التظاهر بأنها تزمع حلحلتها.
وكان واضحاً ان اسلوب المبعوثين الخاصين كان غالباً ما يتناول القضايا ببطء، ويترك للمبعوث الخاص مساحة معقولة لكي يناقش ما يريد وما قد يعنّ له! وهذه بالتحديد هي النقطة التى حدت بالحكومة السودانية في الآونة الاخيرة للامتناع عن استقبال المبعوثين الخاصين، ومن سوء حظ المبعوث الخاص الحالي أن الموقف السوداني صادف دورته!
وعلى ذلك فإن مجرد الانتقال من تلك المرحلة الى مرحل المواجهة المباشرة (وجهاً لوجه) تعتبر في حد ذاته خطوة ايجابية بالغة الاهمية والأثر. النقطة الثانية، ان القيادة السودانية نفسها بدت فى حاجة ملحة للغاية لقياس درجة حرارة المياه التي تخوض فيها في واشنطن إذ ان جلوس مسئول رفيع (مساعد رئيس) مع مسئولين أمريكيين يعطي الحكومة السودانية سانحة نادرة للوقوف على طبيعة الافكار التى تعتمل في ذهن صانع القرار الامريكي، وما هو مدى صدى حجج السودان ودفوعاته حيال الموقف الامريكي؟ وكيف يمكن الاستفادة من (الثقوب) ومناطق الضغط المنخفض فى منظومة صناعة القرار هناك؟
الواقع ان مثل هذه اللقاءات المباشرة بحسب خبراء العلاقات الدولية غالباً ما تفيد الطرفين في دراسة موقف كل طرف من القضايا العالقة، وحدود التنازلات الممكنة وإمكانية المقايضة وطمأنة وإزالة مخاوف كل طرف حيال مواقف الآخر. ومن المؤكد ان البروفسير غندور استطاع في رحلته هذه تحديد مكامن الألم، ومكامن الأمل في ذات الوقت وان الرجل نقل صورة متكاملة -عقب عودته من هناك- للقيادة السياسية في الخرطوم ستظل موضعاً للمدارسة والمراجعة الجادة!
النقطة الثالثة، يعتقد الكثير من الخبراء في الشأن الامريكي إن هذه هي بالضبط طريقة الادارة الامريكية حينما تقرر في الغالب تحسين علاقاتها مع أي دولة بعد طول انقطاع او سوء، فهي تستعيض عن المحادثات غير المباشرة بمباحثات مباشرة، كما أنها تقفز في احيان كثيرة من ملف الى آخر بخفة مثير للدهشة وذلك لأن قرار الالتقاء المباشر هذا في العادة يتم اتخاذه بعد دراسة عميقة مطولة وبعد حساب النتائج بدقة متناهية ثم يتم تركه لتحديد الوقت المناسب!
وعلى ذلك فإن من السابق لأوانه -على اية حال- الجزم بأن العلاقات السودانية الامريكية في طريقها الى التحسن  الفوري، فذلك امر متروك للظروف ولإمكانية بناء ثقة على نحو متسارع بعيداً عن المنغصات التي تحدث هنا وهناك، ولكن بالمقابل فإن بالإمكان الجزم بأن مشوار الألف ميل لا شك أنه قد بدأ بهذه الخطوة، مهما قلل البعض من مآلاتها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق