الثلاثاء، 17 فبراير 2015

مع أمريكا

فكرة السيطرة على العالم قديمة، تبدلت من مرحلة إلى أخرى، فقد كانت طموحاً شخصياً يحقق العظمة والأبهة للقائد المسيطر على أكبر رقعة والمتحكم في كل شعوب الأرض إن أمكن.. هكذا كانت الفكرة التي دفعت الإسكندر وهولاكو، وجنكيزخان، ونابليون، وهتلر، للخروج بجيوشهم من أوطانهم لحكم العالم.. وسوف تظل فكرة حكم العالم كله من مركز واحد باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. لكن تتبدل الفكرة من سيطرة شخص واحد يرنو للعظمة إلى أمة واحدة تريد السيادة على بقية الأمم، كما حدث في فترة الإستعمار التقليدي حين ظهرت الإمبراطوريات الإستعمارية الأوربية، وبزوالها تحورت الفكرة إلى السيطرة بالقوة الناعمة التي لا تتوسل لأهدافها بالغزو العسكري المباشر، ولم تصبح السيطرة غاية في حد ذاتها بعد أن أصبح هم القوى العظمى نشر قيم تؤمن بها الدولة المسيطرة، ورغم تراجع المواجهات العسكرية والغزو المباشر، لكن القوى الكبرى تضع قواها المادية كمهدد ورادع، تلوح بها كتذكير باحتمال توظيفها إذا دعا الحال، لذا تتمدد القيم التي تبشر بها دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر أن حدود أمنها القومي تنتهي عند إنتهاء حدود العالم، وتعتبر نفسها معنية بما يدور في ميانمار، وبيرو، والفلبين، ومالي، وفيجي، والمالديف، وأوكرانيا، وموريشوس، وزمبابوي، وكوريا، والساقية الحمراء، ووادي الذهب، ودار فور.
هذه هي الولايات المتحدة الأمريكية التى يسعى السودان لتحسين العلاقة معها، وتسعى هي لتحسين العلاقة معه- حسب ما تشير دعوتها المقدمة لوزير الخارجية على كرتي ومساعد الرئيس إبراهيم غندور- فإذا كان الطرفان يسعيان لتحسين العلاقة، فما الذي يؤخر تحقيق الهدف المشترك؟ إن الدولة التي تمتد حدود أمنها القومي إلى حدود العالم قد تجد مهدداً سودانياً في موقع ما، وفي هذه الحالة لا ينتظر أن يدخل السودان نفسه في تحدٍ هو في غنى عنه، وينتظر أن يركز كل جهوده في قضاياه التي يملك فيها حججاً قوية مثل عدم الإلتزام الامريكي بتعهداته، رغم وفاء السودان لإلتزاماته بإجراء إستفتاء شفاف وقبوله نتيجة الإستفتاء رغم الخسارة بإنفصال الجنوب، وينتظر أن يصب السودان كل جهوده للتوصل مع الجانب الأمريكي لإتفاق مبدئي مشترك برفض الحرب، حتى لا يترك أمر الحرب على خطورته بلا موقف مبدئي أمريكي واضح منه.. ويكون الترتيب المنصف الرفض المبدئي الامريكي للحرب ثم تحديد السودان لتنازلاته في مقابل هذا الموقف الأمريكي الصريح.. بدلاً من ترك خيار الحرب مفتوحاً ويطالب السودان بتقديم تنازلات، فتصبح الحرب أداة ضغط يساق بموجبها السودان إلى حيث لا يريد.. هذه قضايا عادلة وواضحة الملامح، وفوق ذلك: هي سودانية خالصة، وليس من الحكمة أو الكياسة أن يتركها الطرف السوداني منصرفاً عنها إلى معارك في غير معترك، لا تخدمه بل و تضعف قضاياه العادلة مثل الإنصراف للحديث عن جرائم أمريكا في فيتنام، وحقوق الهنود الحمر و معركة هرمجدون الفاصلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق