الخميس، 12 فبراير 2015

غندور في واشنطن .. أمريكا تراجع سياستها السودانية

قطعاً لا يمكن الفصل ما بين زيارتي وزير الخارجية السودانية علي أحمد كرتي، ومساعد رئيس الجمهورية البروف إبراهيم غندور رئيس وفد الحكومة لمفاوضات المنطقتين إلى العاصمة الأمريكية واشنطن أمس الأول الأحد، لأول مرة من توليه منصبه الرفيع، زيارة اعتبرها رئيس القطاع السياسي للمؤتمر الوطني الدكتور مصطفي عثمان إسماعيل "امتداد للحوار بين الخرطوم وواشنطن" وقال انها ستناقش السبل الكفيلة بتطوير وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في المجالات المختلفة والجهود الرامية لرفع العقوبات الاقتصادية والسياسية على السودان، مؤكداً أن الزيارة جاءت بدعوة رسمية كما أكدها وزارة الخارجية الأمريكية على لسان المتحدثة باسمها ماري هارف لـ(بحث القضايا الثنائية العالقة بين البلدين" وإدارة حوار مباشر مع الإدارة الأمريكية في الشأن ذاته ويتوقع لها أن تمتد أسبوعاً حسب مراقبين.
إلا أن الزيارة بذاتها لا تنفصل عن تلكم الزيارة لوزير الخارجية السوداني علي أحمد كرتي والتي سبقتها وامتدت لثلاث أيام وانتهت الأحد بدعوة رسمية من رئيس اللجنة المنظمة بالكونجرس الأمريكي ضمن ((3200)) من الشخصيات "سياسية وبرلمانية وأكاديمية" في العالم، للمشاركة في الاحتفال الديني الوطني بالعاصمة الأمريكية واشنطون، حسبما أكدها المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير يوسف الكردفاني، وقال أنها تناولت نقاشاً مثمراً وبناء مع شخصيات فاعلة بالكونجرس ومهمته بالشأن السوداني حول كيفية تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في المجالات المختلفة والجهود الرامية لرفع العقوبات الأمريكية الجائرة على السودان وإعفاء ديونه.
فالزيارتان تحملان في أحشائهما أكثر من عنوان،وتعتبران بذاتهما مؤشراً جديداً ستنعكس آثاره على الساحة السودانية الداخلية والعلاقات الدولية والإقليمية حسب مراقبين.
بيدما يجد المتابع للعلاقات الأمريكية السودانية أنها قد توقفت تماماً عند محطة "العقوبات الأمريكية" المفروضة على السودان منذ عام 1997 بحجة أن الحكومة السودانية تشكل تهديداً كبيراً للأمن القومي وللسياسة الخارجية للولايات المتحدة بينما أدرجت أمريكا السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، فما لبست أن يتم تجديدها سنوياً من قبل الكونجرس الأمريكي، اعتبرها السودان احدي أدوات الضغط وسيطرة وتحكم اللوبي اليهودي على السياسة الأمريكية وضد السودان.
وزارة الخارجية السودانية من جانبها قالت إن قرار تمديد العقوبات "سياسية" بالأساس والهدف منها التأثير على مواقف الحكومة السودانية والأضرار بمصالح شعب السودان، ودافعت الحكومة السودانية بشدة عن مزاعمها ومطالبتها بإلغاء تلك العقوبات وقالت أنها تدعم بالأساس مصالح المجموعات المسلحة المتمردة وتغذي الصراعات وتقود لعدم الاستقرار في السودان.
ولكن لماذا جاءت دعوة التقارب الأمريكية السودانية في هذا التوقيت؟ فلا يختلف اثنان بأن المواقف الأمريكية ثابتة ولا تتغير إلا وفق مصالحها، ويجد المتأمل في الساحة الدولية أن قرار مجلس حقوق الانسان في سبتمبر من العام الماضي "حرم طرق فرض العقوبات الدولية" والتي دافع عنها الخبير الوطني وعضو جمعية حقوق الإنسان السوداني الدكتور حسين كرشوم بشدة أمام المجلس، وقال في حديثه لـ(الصحافة) أن العقوبات التي تفرضها الدول علي الحكومات تؤثر مباشرة على المواطنين وليست الحكومة لوحدها، مشيراً بكل وضوح إلى أن العقوبات الأمريكية علي السودان أتت بنتائج سلبية مباشرة على المجتمع السوداني أثرت علي معاشه وخدماته وحياته بصورة عامة.
ويعتقد كرشوم ان قرارات المجلس لم تتوقف عند هذا الحد، بل ستقود لمطالبات بـ(تعويض المتضررين" وربما تفتح أبواباً أخرى من الضغوط علي أمريكا، بيدما يجد المراقب أن العقوبات الأمريكية علي السودان بذاتها جاءت مفروضة من قبل الكونجرس الأمريكي ذي الأغلبية الجمهورية والتي تكن عداء شديداً للحكومة السودانية.
إلا أن الناظر للتحولات الجديدة في السياسة الخارجية الأمريكية يجد بأن هنالك ضغوطاً جاءت من قبل الشركات والمؤسسات الأمريكية ذات المصالح التي تضررت في المنطقة سيما في مجال الصمغ العربي والذي يمتلك السودان 80% من إنتاجه، بينما ذهبت هذه الشرطات تطالب من "تحت الطاولة" عبر بعض الشركات الفرنسية وشركات دولية أخرى، فضلاً عن التعدين عن الذهب والبترول والمحاصيل النقدية والحبوب الزراعية وللسودان فيها ميزات تفضيلية، ومن ثم رفد السودان بالتكنلوجيا الأمريكية بدلاً عن التكنلوجيا الألمانية والتي ظلت تشكل تهديداً أمريكياً، علاوة على التقارب السوداني الصيني من جهة والسوداني الروسي من جهة أخرى، وقد شكلت هذه المصالح مجتمعة ضغوطاً قوية على الكونجرس الأمريكي وتطالبه بمراجعة قراراته بشأن "العقوبات الاقتصادية" المفروضة على السودان.
فيما كشفت مصادر قريبة من الملف عن اتفاق غير معلن من قبل الأطراف السودانية بضرورة أن يكون لأمريكا دور في المفاوضات السودانية.
تماماً كما أشارت المسؤولة الأمريكية إلى أن الزيارة تأتي لاستكمال المباحثات التي ابتدرها وزير الخارجية علي كرتي في سياق مناقشة عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين "واشنطن والخرطوم" وقالت ان اللقاءات ستشهد حواراً صريحاً لمناقشة تلك القضايا دون الخوض في تفاصيلها.
إلا أن المصادر ذاته تؤكد تراجع أمريكا عن دعمها للحل الشامل في إطار توحيد المنبرين وقد باتت أكثر قناعة لدعم الجهود القطرية في ملف دارفور عقب تقرير مبعوثها في الشأن ذاته، إلا أن ذات الدور ليس بعيداً عن أدوار أمريكية أخرى مماثلة سابقة تكللت بتوقيع اتفاقية سويسرا عام 2000م بدعمها للجهود النرويجية لإحلال السلام في جنوب كردفان ومن ثم دعمها للجهود الأفريقية "الإيقاد" وأصدقاء الإيقاد والتي توجت باتفاقية السلام الشامل نيفاشا وربما تلجأ أمريكا لمواصلة ذات السيناريو، ولن تمر الزيارة حسب مسؤولين في الحكومة دون مناقشة القضية السودانية وإعفائها والتي جاءت مادة أساسية وتحفيزية ضمن مقررات الاجتماع الأفريقي ((456)) بشأن الحوار الوطني .

وليس بعيداً عن ذلك يري المحلل السياسي الأستاذ عبد الرحمن أبوخريس بمعهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية السودانية، إن الحكومة الأمريكية أصبحت علي قناعة الآن أكثر من أي وقت مضي بأن الحكومة السودانية الحالية برئاسة البشير أفضل الخيارات المتاحة لحكم السودان في المرحلة المقبلة وتري أنه ليس هنالك بديل أفضل منها في السودان، في ظل معارضة منقسمة علي نفسها ولا تتفق فيما بينها ولا تملك قراراتها وليس ذات مصداقية حسب التجارب الأمريكية معها خلال المرحلة الماضية، وترى أمريكا أن مصالحها تكمن في التعاون المشترك مع حكومة البشير عبر حوار بناء وهادف يراعي حسن إدارة ملفات المصالح المشتركة والتي تتطلب تنازلات من قبل الطرفين حسب مراقبين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق