الأحد، 15 فبراير 2015

خسروا الحوار ثم خسروا الانتخابات!

لا احد يستطيع الجزم -لو وعلى سبيل المغالطة- ان المؤتمر الوطني حينما أعلن اطروحة الحوار الوطني فى يناير 2014 فيما عرف بالوثبة التي أعلنها الرئيس البشير فى خطاب شهير حينها ان الوطني اخضع العملية الانتخابية نفسها للحوار! فإذا جاز لنا ان نستنتج فإن الوطني كان يأمل ان تجري عملية الحوار على مدى عام كامل باعتبارها فترة كافية للخروج برؤى واضحة وعملية تتيح اصلاح الاوضاع على كافة الاصعدة ومن ثم يخوض الجميع العملية الانتخابية في حينها؛ اللهم إلا اذا تغلب الرأي داخل قاعة الحوار بضرورة ارجاء العملية الانتخابية قليلاً حتى يستعد لها الجميع بصورة أفضل، أو التمكين لعملية الاصلاح الشاملة.
لو أن قادة القوى السياسية المختلفة تحلّوا بالقدر المطلوب من الموضوعية والواقعية لنظروا الى الاوضاع من وجهتين: الوجهة  الأولى، ان الوطني ما كان ليغامر ويضحي بشرعيته السياسية الدستورية مطلقاً، خاصة وان لديه تجربة معروفة فى العام 2010 حين تأجلت العملية الانتخابية لأشهر قلائل فانتهزت القوى المعارضة الفرصة -بلا تدبر ولا وازع سياسي وطني- لترسل طعنة نجلاء الى شرعية الحكومة بعد ان امتد وجودها لاشهر بعد انقضاء اجلها الدستوري!
لو أن القوى السياسية المعارضة تمتعت بأقل قدر من الذكاء لأدركت ان عليها ان تجري معادلة دقيقة ما بين المحافظة على الشرعية الدستورية وتحاشي المساس بها، وما بين اقتطاف ثمرة الحوار الوطني والتمتع بمذاقها وفائدتها.
اذا كانت القوى المعارضة نجحت فى تحقيق هذه المعادلة فقد كانت بالتأكيد تكون قد تطورت سياسياً فى أدائها ونظرتها للأوضاع وإدراكها لحقائق الواقع.
الوجهة الثانية، ان سانحة الحوار الوطني ومهما بدت عليها من نواقص ومثالب هنا وهناك هي الممكن المتاح في ظل الظروف والمعطيات الموجودة! السياسي الحصيف هو من يستفيد من المعطيات المتاحة لصنع أكبر مقطف لجمع العديد من الثمار الناضجة ولهذا فقد كان المتوقع ان تتجه ضغوط القوى السياسية فى ذلك الوقت باتجاه انعقاد عملية الحوار نفسها غض النظر عن (القوانين المقيدة للحريات، والمعتقلين) والمسلسل المطول البالغ التعقيد الذي تكفل أخيراً بإخراج تلك القوى من عملية الحوار ودون أدنى (حمص)!
لقد كان من السهل للغاية التركيز على عملية الحوار فى حد ذاتها وطرح القضايا داخل القاعة وتغليب الرأي الداعي للإصلاح الشامل عبر طرح القضايا الاستراتيجية الكبرى. لن يغفر التاريخ مطلقاً للقوى السياسية المعارضة التي دعاها الوطني -بطوعه واختياره وكامل إرادته السياسية- الى حوار مفتوح على مائدة سودانية وبدلاً من ان تأتي اليه مهرولة، شرعت في التمني والمطالب والعراقيل ووضع المتاريس.
لن يصدق الجيل الحديث من الشباب ان القوى المعارضة (ركلت) عملية الحوار برجليها مع أنه كان متاحاً لها أن تجني من راءها الكثير والكثير جداً! إن طرح الوطني للحوار على العكس مما قد يظن البعض كان فى إطار تهيئة البيئة السياسية السودانية وتطهيرها من عملية الإحتقان، وفى ذهن الوطني الدخول الى المضمار الانتخابي بناء على توافق وطني واسع النطاق، وفى الدورة القادمة يتسع النطاق أكثر وشيئاً فشيئاً يتم خلق ممارسة ديمقراطية راشدة، متدرجة ومتوازنة، ولهذا فإن على الذين عادت أذهانهم التقليدية الى الوراء و اعتقدوا ان الوطني على شفا انهيار وان الفترة الانتقالية المعهودة قد عادت، وان العملية الانتخابية (برائحتها التقليدية القديمة) سوف تعقب الفترة الانتقالية ان يعيدوا النظر في افكارهم ورؤاهم. إذ من الصعب ان يعود السودان -بعد كل هذه المتغيرات- الى الجلباب السياسي التقليدي المعهود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق