الثلاثاء، 24 فبراير 2015

المقاطعة: موقف مدروس بعناية أم محض انفعال؟

اضافت المعارضة السودانية خطأ استراتيجي مهول الى بحر  اخطائها الضخم حين اعلنت اعتزامها مقاطعة الانتخابات العامة التى لم تعد تفصلنا عنها سوى اسابيع. ربما كانت لدى هذه الاحزاب المعارضة (اسبابها الخاصة) في مقاطعة العملية الانتخابية لاعتبارات ربما تعود بالدرجة الاولى الى جاهزيتها او ظروفها التنظيمية او عشمها الذي انقطع في ان تتم أولاً تصفية نظام الانقاذ وتفكيكه وإتاحة وضع انتقالي لعام أو عامين تخلو لها فيه الساحة قبل ان تخوض أي عملية انتخابية.
أو ربما كان  لبعض هذه الاحزاب (رؤية خاصة) تعتبر بموجبها اية عملية انتخابية تخوضها لابد ان تكتسحها تماماً وتحصل على الاغلبية وأنها ليست معنية بالمستقبل بقدر ما هي معنية باللحظة الآنية وكيفية التخلص من خصومها في السلطة الى الابد!
هذه كلها -قيلت أم لم تقال- قد تكون اسباباً تدعو هذه القوى السياسية لكراهية خوض الانتخابات، وهي كراهية ولفرط شدتها باتت تشكل هاجس نفسي لها، ولكن بالمقابل فإن الخطأ الاستراتيجي الذي اوقعت فيه هذه القوى المعارضة نفسها هي أنها (تجاهر) بمقاطعة العملية الانتخابية ودعوة الناخبين لمقاطعتها، إنها بهذا المسلك، أولاً: أعطت خصومها على الجانب الآخر (وهي القوى التى استعدت للعملية الانتخابية) وترغب فى خوضها (شيكاً على بياض) للحلول محلها في مراكزها السابقة ومعاقلها التاريخية.
ولتقريب هذه النقطة الأخيرة فإن من المستحيل ان تعزل المدن والمناطق المختلفة التي تحتاج الى خدمات أو لديها قضايا آنية ملحة نفسها عن اختيار مندوب عنها لإيصال صوتها لمجرد ان حزباً أو أحزاباً بعينها ترغب فى ان يقاطعوا العملية، مع ملاحظة ان العملية سوف تمضي قدماً سواء قاطعوها أم لم يقاطعوا، وأن الدوائر المعينة سيكون ممثلون لها ممثلون من أحزاب أخرى، فأيهما أفضل في هذه الحالة؛ ترك الامور لكي تتسرب الى ايدي قوى أخرى، أم خوض العملية واختيار الافضل لتمثيل المنطقة؟
هذه المعادلة الخطيرة تجاهلتها الاحزاب التي اعلنت مقاطعتها ولعمري هي المنفذ الخطير الذي سوف تنفذ عن طريقه قوى حديثه تقضي على تلك القوى المقاطعة فهذه هي طبيعة الامور وسنن دوران الحياة.
ثانياً: أنها بموقفها السالب هذا سوف تفقد القدرة على الالمام بجغرافية المناطق المختلفة وخرائطها السياسية، إذ ان خوض العملية ربما يعطي مؤشرات مفيدة لمعرفة الولاءات التقليدية للحزب المعين، والمناطق التى يجد فيها اهتماماً وتلك التى لا أثر فيها لمؤيديه، وهذا بدوره يتيح لهذه القوى -مستقبلاً- معالجة الامور على هدى من هذه الجغرافيا السياسية والخرائط الانتخابية؛ أمّا وقد قطعت فإن هذا اموقف قد يزيد الموقف سوءاً على سوءه.
ثالثاً: الاحزاب على مستوى قياداتها، وفي بعض الاحيان قيادات الصف الاول عانت وما تزال تعاني من تبديل الولاءات (حركة الانتقال من حزب لآخر) بغض النظر عن الاسباب والدوافع، هذا يحدث على مستوى القيادات فما بالك بمستوى القواعد؟ فمن أين لهذه الاحزاب ان تضمن ان ولاءاتها التاريخية ما تزال وستظل لها؟ وهل الرابطة السياسية بين اعضاء الحزب المعني والحزب رابطة كاثوليكية؟
من المؤكد ان الامر مرتبط بمصالح منسوبي واعضاء الحزب ورؤاهم، ولا شك ان ضعف هذا الحزب او ذاك او تراجعه سياسياً يغري الاعضاء للبحث عن حزب آخر اكثر قدرة على استيعاب طموحاتهم وتحقيق حاجاتهم. من المؤكد ان هؤلاء المقاطعين في حاجة ماسة لإعادة دراسة موقفهم بتأنٍّ وروية ونظر ثاقب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق