الخميس، 12 فبراير 2015

الحوار الوطني .. فرص عديدة للنجاح

يفتح تمسك الأحزاب والقوى السياسية بالحوار الوطني الشامل الذي دعا له رئيس الجمهورية، الباب واسعا أمام فرص نجاح الحوار الذي جاء إنطلاقاً من مبدأ الشورى والديمقراطية وأنه ليس عمل سياسي تكتيكي لمرحلة معينة. لذا فقد طالبت تلك الأحزاب مؤخرا بالسير في طريق الحوار حتى تتحقق غاياته المرجوة، فليس هنالك مخرجا من حل مشكلات البلاد سوى التمسك بالحوار الشامل بمشاركة الجميع دون إقصاء لأحد خاصة بعد تأكيد المؤتمر الوطني وقادته إلتزامهم التام بنتائج ومخرجات الحوار، وأن ما يفضي إليه الحوار هو الذي سيحدد الإتفاق بين جميع مكونات القوى السياسية، لذا فأحزاب المعارضة المتحاورة مطالبة بتجاوز خلافاتها حتى يتم تحديد موعداً لإنطلاقة الحوار فعلياً.
الوقائع والشواهد تؤكد أنه ومنذ الوهلة الأولى لإطلاق دعوات الحوار الوطني، أنقسمت أحزاب المعارضة إزاء تلك الدعوة بين الرفض والقبول والتردد والإشتراطات المسبقة، وتساوت في تلك المواقف، الأحزاب لمعارضة المنضوية تحت مظلة قوى "الإجماع الوطني"، وتحالف متمردي ما تسمى بـ"الجبهة الثورية" ، وبدلاً من أن تؤدي دعوات الحوار الوطني إلى توحيد مواقف تلك الأحزاب عبر برنامج برنامج وطنى عريض وحقيقى يتجاوز النزعة الحزبية الضيقة، قادت دعوات الحوار الوطنى المعارضة إلى إنقسامات أعمق من ذي قبل.
وبحسب المراقبين، فإن أسباب الإنقسام المتأصل الذي يضرب القوى والأحزاب السياسية، تفسره عدة أسباب منها: ضعف البنية التنظيمية وغياب فاعليتها؛ وضعف القاعدة الجماهيرية لتلك الأحزاب، وتحولها إلى أحزاب نخبوية وحضرية بالأساس؛ غياب البرامج والبدائل السياسية لدى تلك الأحزاب؛ فضلاً عن الرهانات الخاسرة وإرتفاع سقف المطالب وعدم واقعيتها.
ولا تقتصر الخلافات بين قوى المعارضة التي دفعتها إلى التباطؤ في الدخول في الحوار، بطرح الاشتراطات المسبّقة رغم إستفادتها من توسيع هامش الحريات السياسية، وممارسة النشاط الجماهيري المفتوح، على الموقف من قضايا الداخل فحسب، وإنما تلعب بعض القوى الدولية والإقليمية أدواراً هدّامة في التأثير في قرارات تلك الأحزاب، ومواقفها من المشاركة فى الحوار الوطني، ترغيباً وترهيباً.
وترى الأطراف الخارجية، ذات المصالح الضخمة في السودان، أن إستجابة أحزاب المعارضة إلى الحوار الوطني، يعني نسف كافة الإستراتيجيات والرهانات المرسومة تجاه السودان منذ أمد بعيد، ونجاحها يتوقف على بقاء السودان مشدوداً من أطرافه.
ورغم الشُقة التي تفصل بين أحزاب المعارضة، وحالة عدم الثقة المتجذرة فيما بينها، جرت عدة محاولات لتجسيرالعلاقات والتواصل بين تلك القوى بعضها تجاه بعض، وتعتبر "وثيقة الفجر الجديد" التي وقعت في أواخر العام 2012 محاولة لتأسيس كيان سياسي موحد سياسياً وعسكرياً، لإقامة نظام بديل لنظام الحكم القائم في السودان، إلا أن ذلك الرهان قد فشل، وجاءت الدعوة إلى الحوار الوطني لتأتي على ما تبقى من ذلك الميثاق والرهانات المعقودة عليه، رغم التعثُر الذي طرأ على مسيرة الحوار الوطني في شهوره الأولى، ذلك أن أحد أهم الإستراتيجيات التي هدفت إليها "وثيقة كمبالا"، فيما لو كُتب لها النجاح، هي تمكين القوى والحركات المتمردة من إمتلاك القوة والنفوذ السياسي، والجمع بين القدرتين السياسية والعسكرية، بما يؤهلها لقيادة السودان، وتجاوز القوى السياسية والاجتماعية، التي تصنف على أنها "تقليدية" و"مركزية"، ولا تختلف عن المؤتمر الوطني بشيئ.
عموماً فإن الشواهد والوقائع تؤكد بان قطار الحوار الوطني ماض إلى محطته الأخيرة بمن استغله ، حيث أن الظرف الإستثنائي الذي تمر به البلاد والتحديات المحلية والاقليمية والدولية تفرض على الجميع إستغلال هذا القطار الذي قطعا سيصل محطة الإتفاق والتوافق الوطني حول القضايا المصيرية للبلاد التي أسخنتها الجراح كثيراً ، لذا فالجميع هنا مطالب بالوصول إلى توافق سياسي أولا، مع التشديد على ضرورة التمييز بين القانون الساري والجوانب السياسية التي يجب التحاور حولها. فقوانين العقوبات والقانون الجنائي والأمن الوطني لا تلغى بجرة قلم، ولا تتم عليها أي إضافة أو تعديلات إلا بالتوافق السياسي الشامل، لأنه لا يمكن لجهة ما أن تلغي قوانين سارية إلا إذا حدث توافق سياسي في البلاد، ثم بعد ذلك توجد الآليات اللازمة لتحويل هذه الإرادة السياسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق