الأربعاء، 24 ديسمبر 2014

قطاع الشمال .. ماركسيين رأسماليين ومناضلين رجال أعمال!

كما أن لكل شيء فى كافة مناحي الحياة ثمن، فإن الثمن في مضمار السياسة وألاعيبها في بعض الأحيان قد يكون أكثر من كونه باهظاً وفادحاً. الثمن في بعض ألاعيب السياسة قد يكون ريحاً عاتية تقتلع اللعبة السياسية نفسها! أو تنزع ثياب السياسي عنه وتدعه هكذا نهباً للسخرية والهزء ومشيئة الأقدار والتصاريف.
ياسر سعيد عرمان، عرف فى المضمار السياسي السوداني باعتباره شباباً نشأ نشأة ماركسية حادة وآمن بمجمل النظرية الماركسية بحيث لم يدع تكتيكاً من تكتيكاتها إلا واتبعه، وهو فى هذا الخضم ارتكب جريمة قتل موثقة ومعروفة فى جامعة القاهرة بالخرطوم منتصف ثمانينات القرن الماضي فى سياق نزاع سياسي طلابي مألوف، ولكن عرمان أحاله بسرعة إلى نزاع مسلح وتلك كانت مقدمة سياسية باكرة على أن ذلكم الشاب لا يعرف العمل السياسي إلا من خلال السلاح وإصابة خصومه.
وللمفارقات؛ فقد تطور هذا الشعور لاحقاً ليصبح الرجل -حتى بعد بلوغه سن النضج السياسي- خصماً لوطنه بكامله ليس مهماً أن يتمزق أو أن يتضرج فى دمائه أو أن ينزاح تماماً عن سطح الكرة الأرضية ويفارق الحياة.
هاجس الجريمة الجامعية الأولى ما فتئ يلازم عرمان وإن ارتدى حلة زاهية وربطة عنق أنيقة وفاح من حلته العطر الأخاذ. غير أن الثمن حان الوقت لكي يدفع عرمان ورفاقه فاتورته الباهظة. إن قطاع الشمال الذي أعاد به عرمان إنتاج أزمة جنوب السودان يوشك أن يتضعضع وينهار ويصبح أثراً بعد عين، كان يمكن للقطاع مستنداً إلى القرار الدولي 2046 الذي ألزم الحكومة السودانية بالتفاوض معه أن يحقق سلاماً سودانياً معقولاً قبل عام مضى.
عرمان ربما اعتقد أن هذا الوضع يزيد من عناء الحكومة السودانية أو يغيظها أو يدفعها لرفض المفاوضات، فينفتح الطريق واسعاً أمام مجلس الأمن الدولي لاتخاذ القرارات المدمرة للسودان. أو أن يستسلم المفاوض الحكومي بسرعة ويقر للقطاع بكل طلباته! غير أن ما لم ينتبه إليه عرمان، انه كان قد غالي فى المواقف! ومضى بعيداً في اللعبة واستسهل الملعب بكامله واستهان حتى بفريقه واعتمد على مهارته الفردية وحدها.
لقد خسر قطاع الشمال وعلى نحو مباغت ومؤلم غاية الألم 14 قيادياً مؤثراً من أنباء النوبة خرجوا نهاراً غاضبين على تكتيكات عرمان والذي لا تجمعهم به -لا من قريب ولا من بعيد- صلة حقيقية ولا يدرون -وهم في غاية الدهشة والاستغراب- من الذي نصب عرمان قائداً وزعيماً للقطاع ورئيساً لوفده المفاوض!
لقد اتضح أن عرمان المتشرّب بالنظرية الماركسية حتى الثمالة لم يتبق له منها سوى (الجانب المتعلق بالدين) فقط! فهو الآن فى ركاب الولايات المتحدة ونظامها الرأسمالي المصادم تماماً للأطروحة الشيوعية المعروفة. عرمان الآن شيوعي إذا تعلق الأمر بالتعاليم الدينية، ولكنه فيما يخص السياسة والاقتصاد أمريكي ورأسمالي حتى النخاع! ترى ما هي درجة المبدئية فى شاب مثل عرمان، فعل كل شيء طوال ما يجاوز الثلاث عقود باسم الماركسية الشيوعية بأجنحة أمريكية إسرائيلية!
لقد كشف المنشقون عن قطاع الشمال كيف أن عرمان وعقار والحلو ليسوا سوى شيوعيي الديانة، وفى الوقت ذاته رجال أعمال من طراز فردي يملكون اليخوت الفاخرة، والفلل الأنيقة والحسابات المصرفية الفائضة بالعديد من العملات الأجنبية . تكتيكات قطاع الشمال فى التفاوض كلفته ثمناً باهظاً للغاية حين بدأ أبناء النوبة الذين يشكلون العمود الفقري فى القطاع فى تكون جسم مغاير ولن تمر أسابيع قليلة وحين يحين أوان الجولة القادمة فإن عرمان والحلو وعقار سيكونوا (وحدهم) هم الجمعية العمومية لقطاع الشمال ولجنته التنفيذية ولا يدري احد -حينها- كيف سيتعامل واشنطن مع القرار 2046؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق