الاثنين، 22 ديسمبر 2014

دبلوماسي دولي أم مسلح دارفوري؟

هيرفي لادسو، موظف دولي بالمنظمة الدولية يشغل حالياً منصب رئيس عمليات حفظ السلام فى الأمم المتحدة، وهو بهذا الصدد تنفيذي يشرف على عمليات حفظ السلام التي يقررها مجلس الأمن الدولي، ومن جانب آخر فهو بهذه الصفة الدولي مسئول دبلوماسي، مطلوب منه -كما هو مطلوب من كل الذين يعملون في السلك الدبلوماسي- أن يتحرى الدقة والموضوعية فى تصريحاته وألاّ يبدي شططاً أو انحيازاً سافراً ضد أو مع طرف من الأطراف.
لادسو فى مقابلة أجرتها معه (رويترز) الأسبوع الماضي أصدر قراراً بعدم خروج قوات البعثة المشتركة (اليوناميد) العاملة فى مهمة حفظ السلام فى إقليم دارفور. وقال الرجل لرويترز ودون أن يطرف له جفن (لقد طلبوا منا وضع إستراتيجية للخروج وكان هذا هدفاً دائماً لهم، ولكنهم يفعلون ذلك بإصرار معين ودعاية خاصة بعض الشيء، ولكن البعثة لن تغادر فى وقت قريب).
ولا شك أن من البديهي لكل المراقبين والمحللين السياسيين أن رسم سياسة البعثة والمدى الزمني لإقامتها وإنهاء وجودها ليس بيد هيرفي لادسو على الإطلاق. ففضلاً عن أن الأمر يقتضي التشاور مع الجانب الأفريقي أولاً باعتبار أن البعثة (أممية افريقية) مشتركة، فإن القرار النهائي -استناداً إلى قرار إيفاد البعثة- إنما هو بيد مجلس الأمن الدولي.
والحكومة السودانية حينما أعلنت رسمياً أنها طلبت من البعثة المشتركة -رسمياً- وضع إستراتيجية خروج إنما مارست حقها القانوني المحض الذي تكفله لوائح وأنظمة المنظمة الدولية فى هذا الصدد، بل كانت تسنتد على ذات منطق وقرار ابتعاث البعثة إلى دارفور الذي نصَّ صراحة فى أحد بنوده على حق السودان فى التقدم بطلب لوضع إستراتيجية خروج، يتم النظر فيها والتأكد من أن الأوضاع قد تحسنت.
ولهذا فإن تصريحات لادسو -للأسف الشديد- بدت كـ(تصريحات سياسية) بأكثر من كونها تصريحات لمسئول دولي دبلوماسي. فمن جهة أولى فإن قوله إن (هذا كان هدفاً دائم لهم) قول غريب للغاية يثير الدهشة حقاً إذ من الطبيعي أن يكون هدف السودان هو أن يتخلص من قوات أجنبية ابتُعثت خصماً على سيادته الوطنية من جهة، وأصبحت عبئاً أمنياً على أمنه القومي من جهة أخرى لأن قوات اليوناميد ظلت (تطلب الحماية) من القوات السودانية، كما ظلت هدفاً للحركات المسلحة طوال مدة وجودها فى الإقليم وحتى هذه اللحظة! ما هو المأخذ على السودان حين يكون هدفه هو التخلص من هذا العبء المقيت؟
من جهة ثانية فإن المطلب المشروع هذا ليس فيه أي وجه (للدعاية) كما يقول لادسو الذي بدا وكأنه (سياسي سوداني معارض)! إذ لا يمكن لحكومة بلد أن تطالب بإستراتيجية خروج فقط على سبيل الدعاية! لقد كتبت عشرات التقارير التي رفعت إلى مجلس الأمن طوال الأعوام السابقة تؤكد انتهاء العنف وتحسن الأوضاع فى إقليم دارفور ولعل أسطع دليل على ذلك تخفيض البعثة الذي يبدأ فى الأعوام القليلة القادمة.
لادسو يظهر الأمر كأن السودان يطالب بخروج البعثة هكذا دون مؤشرات ودون معطيات واضحة، وهذا أمر يؤسف له من جانب دبلوماسي دولي يفترض فيه أنه رجل موضوعي ومرموق! ومن جهة ثالثة فإن الرجل حين يقطع وعلى نحو جازم -وهو أمر نادر في مضمار الدبلوماسية- بأن الخروج لن يكون قريباً فإنه يفارق وقار منصبه تماماً ويخالف مخالفة صريحة أدبيات وتقاليد الدبلوماسية؛ إذ أن الخروج كما تفهمه الحكومة ونفهمه ليس غداً أو بعد غد أو الشهر القادم، فالكل يعلم أن البعثة تم التجديد لها لعام قادم، ولكن إستراتيجية الخروج لها مسار مستقل يتم التوافق حوله عبر جداول زمنية واضحة بصرف النظر عن مداها الزمني.
حتى هذه الجداول ومدها الزمني حرص لادسو حرصاً (غريباً) على حرمان السودان منها وكأن البعثة المشتركة (مجرد أنفار) يعملون فى مزرعة خاصة بالرجل! أما الأسوأ من كل ذلك فإن لادسو أدلى بتصريحاته هذه دون حتى أن يتشاور مع الجانب الإفريقي! والأكثر سوءاً أنه قال سوف يتشاور مع الجانب الإفريقي! أي أن الرجل (أصدر قراره الشخصي) ثم مضى للتشاور مع الجانب الإفريقي.
ولا شك أن القضية ليست سهلة في مجملها ويبدو أن الخرطوم قد أعدت العدة جدياً لخوض غمارها منذ فترة كافية، ولكن يظل السؤال المركزي المحير فى القضية السودانية بأكملها، ما الذي ظل يدفع الموظفين الأمميين -باستمرار- لرسم (سياسات خاصة بهم) واتخاذ مواقف دفاعية عنيفة ضد السودان وهم ليسوا أصحاب قرار؟ سؤال محير حقاً فى حاجة إلى إجابة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق