الأحد، 28 ديسمبر 2014

المهدي أقرب للعودة والحوار

تسبب إعلان باريس ثم نداء السودان في أن يحتفل السيد الصادق المهدي بعيد ميلاده الـ(79) خارج الوطن حيث اعتدنا في السنوات الأخيرة أن نشاركه تلك  المناسبة  السعيدة بمنزله في حي الملازمين بأمدرمان حول إفطار صباحي لا يغيب عنه أحد من رموز السياسة والصحافة والشخصيات العامة إلا أن الأقدار قد شاءت في هذا العام أن يتغير مكان الاحتفال بعيداً عن الوطن وفي (قاهرة المعز) تحوطاً من الإمام المهدي في العودة والاحتفاء بميلاده داخل سجن كوبر، بعد الاتهامات الرسمية التي وجهت له وبعد أن أًبح جزءاً من الحركات المسلحة التي تحمل السلاح في وجه الدولة عبر تلك التوقيعات التي تمت في باريس وأديس أبابا...
ولكن المتابع لمسيرة السيد الصادق المهدي السياسية يكتشف بأن الرجل لا يميل كثيراً للمعارضة الخارجية، ويجد نفسه أكثر إيجابية في الأداء  السياسي داخل الوطن، عبر تلك  النشاطات والمواقف المدنية ضد  أو مع الحكومة فيما تطرحه من قرارات وأفكار قابلة للنقاش..
ولارتباط المهدي بالداخل وعدم رغبته في البقاء الدائم في المنافي شواهد كثيرة، كان من بينها مصالحة الرئيس جعفر نميري بعد فشل حركة يوليو 1976م وعودته لأرض الوطن غير راغب في الاستمرار خارجه... وتكرر المشهد في سنوات التجمع الوطني الديمقراطي حيث أبرم المهدي اتفاقاً منفرداً مع الحكومة في (جيبوتي) ليعود إلي السودان قبل رفاقه الذين صاغ معهم مقررات أسمرا للقضايا المصيرية، وشارك معهم عسكرياً بجيش  الأمة التابع لحزبه، والذي كان جزءاً من قوات التجمع الوطني الديمقراطي، التي اختارت من بعده الحوار والاتفاق مع الحكومة في نيفاشا والقاهرة ثم العاصمة الارترية (أسمرا) التي احتضنت جبهة الشرق، وفي داخل السودان اختلف المهدي مع الحكومة، وعلي وجه الخصوص مع المؤتمر الوطني، إلا أنه عاد ووقع معه اتفاق (التراضي الوطني) الذي انهار في مايو الماضي بعد إن وجه المهدي انتقادات لقوات الدعم السريع قادته خلف القضبان حبيساً، باعتبارها خطوطاً حمراء لا تقبل الحكومة نقدها ولا تتهاون فيمن يتعرض  لها، ليؤدي ذلك الاعتقال إلي قطعية بين حزبي الأمة والمؤتمر الوطني الذي كان أحد عناصره الأساسية الهامة ليخرج بعد ذلك المهدي من المعتقل غاضباً، ومتوجهاً بشكل مباشر نحو الحركات المسلحة بالخارج ليوقع مع الجبهة الثورية وثيقة (إعلان باريس)، مما أثار استنكار الحكومة التي أعلنت عن محاسبته ومقاضاته حال عودته إلي الخرطوم، ليزداد الأمر ما بين الطرفين احتقاناً وتسوء تلك العلاقة الثنائية، ليتردد المهدي كثيراً في اتخاذه لقرار العودة الذي أعلن عنه أكثر من مرة.
ولكن في نهاية الأمر نحن أمام أزمة جديدة لن تكون في صالح خطواتنا نحو الحوار الوطني، باعتبار أهمية حزب الأمة في دعم مسيرته وصولاً إلي غاياته، وبالتالي لابد من معالجة بعيدة عن كل الانفعالات التي جعلت المهدي يخرج من المعتقل صوب الجبهة الثورية غاضباً، ليأتي رد فعل الحكومة أكثر تشدداً في الإعلان عن اعتقاله ومحاكمته عند وصوله إلي مطار الخرطوم، مما يقودنا إلي البحث عن طريق ثالث لمعالجة الأزمة، يكمن في وساطة شعبية من الحادبين علي إنجاح الحوار الوطني الذي أصبح فرصتنا الوحيدة للخروج بالبلاد من كل الأزمات التي تطوقها في كل الاتجاهات.
ولنجعل تلك المهمة من صميم عمل لجنة (7+7) قبل الذهاب والتفاوض مع الحركات المسلحة، فالصادق المهدي هو الأقرب بأفكاره ورؤاه التي ترفض العنف كسلوك للمعالجات السياسية، ويميل كثيراً للحوار الذي شارك في تأسيس فكرته في يناير الماضي، وعلي الحكومة أن تتجنب تلك التصريحات النارية بل واجبها يملي عليها الترحيب بالمهدي مشاركاً في الحوار وذلك من أجل مصلحة الوطن أولاً وأخيراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق