الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

تابت .. إنقلاب السحر على السحرة!

لم يكن أمراً غريباً أن راديو دبنقا الذي تولى مهمة إطلاق مزاعم الاغتصابات فى قرية تابت، لزم الصمت، ولم يعد له ذات الحماس السابق لتداول المزاعم. فقد فشل الراديو فى المهمة قبل ان تبدأ وقبل أن تصبح مادة سياسية متداولة على الموائد الدولية. وتشير متابعات (سودان سفاري) فى هذا الصدد إلى أن المسئولين المشرفين على إذاعة دبنقا أبدوا تخوفاً مهنياً واضحاً من أن تتسبب الحادثة فى خسارة الراديو لمستمعيه فى إقليم دارفور، وفى الوقت الذي فيه تم إنشاء الإذاعة خصيصاً لتوجيه الرأي العام في الإقليم والتأثير عليه، حيث بدا واضحاً من خلال استقصاءات تم التكتم عليها أن مستمعي إذاعة دبنقا في الإقليم فى تناقص مضطرد ليس بدواعي سياسية أو لاتخاذ هؤلاء المستمعين لمواقف منحاز ة للحكومة السودانية ولكن لأن طبيعة المستمع السوداني لا تستسيغ المبالغة فى الأكاذيب خاصة إذا كنت تلك الأكاذيب تمس صميم شرف الإنسان السوداني.
راديو دبنقا الآن -للمفارقات- يبحث عن وسائل سريعة مؤثرة للحصول على مصداقية إعلامية بصرف النظر عن الغرض الدعائي الذي من أجله انشأ. الأمم المتحدة من جانبها، فقدت هي الأخرى عنصر الحماس لركوب موجة القضية، فقد مرت حتى الآن أكثر من 6 أسابيع على هذه المزاعم، وبداهة فإن مرور الوقت يحبط تماماً أية فاعلية لأي تحقيقات يمكن تجري. كما أن الأمم المتحدة منذ البداية ولسبب ما ترددت فى التفاعل مع هذه المزاعم، ربما لإدراك بعض منسوبيها أن المزاعم مفبركة أو لإحاطة بعض هؤلاء المسئولين بطبيعة الأوضاع فى قرى دارفور واستحالة وقوع جريمة كهذه بالحجم الموصوف وجريان الأمور جريانها العادي في القرية!
ولهذا فحين طلبت الأمم المتحدة زيارة القرية للمرة الثانية كانت تعلم أن الأمر لا جديد فيه وأن إمكانية فبركة أدلة جديدة تبدو مستحيلة وهذا ما دفع مجلس الأمن إلى أن يلزم الصمت على الأقل فى هذه المرحلة. وعلى ذلك يمكن القول إن مزاعم الاغتصاب فى تابت لم تتسبب في أضرار فادحة على السودان بقدر ما تسببت بأضرار جسيمة للغاية بالمنظمة الدولية وبمجموعات الضغط المعروفة في نيويورك وبراديو دبنقا الذي اهتزت تماماً الإستراتيجية الإعلامية له وأصبحت مصداقيته على المحك. فعلى صعيد راديو دبنقا فإن من الصعب إن لم يكن من المستحيل ابتداءاً من تاريخ إطلاقه تلك المزاعم أن يأخذ المستمع الدارفوري ما يورده هذا الراديو مأخذ الجد. إذ على الأقل ستكون أخبار راديو دبنقا تحت التساؤلات والشك من قبل المستمع الدارفوري البسيط إلى حين ثبوتها وهذه أفدح الأضرار الإعلامية التي تصعب معالجتها.
على صعيد راديو دبنقا أيضاً فإن الراديو أعطى انطباعاً للمستمع العادي انه (راديو مدفوع القيمة) وهنالك من يقوم بتمويله لأغراض بعينها، وهذه النقطة فى الأعراف الإعلامية بمثابة آلة مدمرة لرسالته الإعلامية لا تمكنه من بسط سيطرته على المستمع الدارفوري. أما على صعيد الأمم المتحدة فإن زيارة مسئوليها للقرية فى المرة الأولى كان كافياً –مهما كانت الظروف– لانجلاء الحقيقة وحين طلبت الزيارة للمرة الثانية أساءت لنفسها إساءة بالغة، فهي وضعت مصداقيتها الدولية أمام فرضيتين: إما أنها ليست مؤهلة للقيام بالتحقيق سواء لضعف مهنية خبرائها، أو لإهمالها؛ وأما أنها قامت بمهمة التحقيق تلك فى المرة الاولى بمهنية ولكنها إرتضت لنفسها -عند طلب الزيارة الثانية- أن تحقق أغراضاً لجهات أو قوى دولية معينة طلبت منه فبركة أدلة بأي وسيلة!
فى الحالتين فإن الفرضيتين يقدحان في مصداقية الأمم المتحدة . هذا إذن أحداث تابت قلبت السحر الأسود على سحرته!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق