الاثنين، 22 ديسمبر 2014

إنتفاضة الصناديق..!

أحد أبنائنا ممن يقيمون ويعملون خارج السودان، جاء إلينا قبل أيام قليلة، وأخذ يسأل عما يرى أنه غامض بالنسبة له، في عالم السياسية،وصاحبكم يجيب، ليصمت ابننا الشاب برهة، حتى ظننت أنه زاهد في مواصلة الحديث، لكنه باغتني ومن كان معنا في مجلسنا ذاك بأن قال بلسان سوداني مبين : "بالمناسبة.. ناس معارضتكم ديل مستفيدين من النظام أكثر من غيرهم، ومن مصلحتهم إنو النظام ده يستمر"..!
أحد شركاء تلك الجلسة قال بهدوء شديد : " الشاب ده لخص الموقف السياسي كلو".. ولكن علامة استفهام نشأت ولم تغادر المخيلة منذ تلك اللحظة، ومن ورائها السؤال الحارق : "هل صحيح إن أحزاب المعارضة لا تريد تغيير النظام؟".
واقع الممارسة السياسية اليومي يشي بأن لتلك الأحزاب وحلفائها من الحركات المسلحة، أكثر من وجه تتعامل به مع "النظام"، ومع بعضها البعض، ومع العالم من حولنا.. وهذا يبدو ظاهرا في عدم الثبات على موقف واحد، من قضية ما، فنجد – مثلاً إن "خصوم" الأمس الذين حملوا السلاح في وجوه بعضهم البعض، هم "حلفاء" اليوم، الذين يوجهون أسلحتهم إلى صدور أبناء جلدتهم ويحزقون قراهم، ويتلفون زرعهم، ويهلكون ضرعهم، ويروجون لذلك الفعل بأنه موجه ضد نظام الحكم.
بعض قوى تحالف المعارضة تستفيد فائدة كبرى من وجودها في القائمة المناوئة للنظام، واتخذ بعض قادة تلك القوى السياسية والأحزاب، والحركات المسلحة ذلك الوجود في قائمة "الضد" مدخلا للتكسب والعيش تحت الأضواء، وللباس أثواب بطولة مصطنعة، حيث أصبح كل ذلك مكوناً لوظيفة جديدة للتكسب من العمل السياسي، وهي للأسف وظيفة قديمة لكنها لم تفقد بريقها المرتبط ببريق آخر يعمي الأبصار ويضل القلوب.
من حق كل من يرى أن النظام الحالي لا يمثله، من حقه أن يعلن معارضته له، وأن يبني تحالفاته الداخلية، وفق مفاهيمه السياسية ورؤيته الفكرية وبرامجه المختلفة.
نعم.. هناك معارضون حقيقيون ويمكن أن يكون لهم تأثير كبير إن وجدوا ما تجده الرموز الثابتة وغير المتجددة للمعارضة، من أبواب وأبواق وقنوات وفلوات لإظهار قدرتها في الإبهار السياسي وخطف الأضواء في المسارح الخارجية.. ولكن حالنا السياسي، وواقع الممارسات اليومية كما أسلفنا من قبل لا يعطي الفرصة إلا للقدامى التقليديين الذين لا يعبرون إلا عن أنفسهم.
المعارضة السودانية بكامل مكوناتها أمامها فرصة تاريخية للإطاحة بالنظام، إن كانت جادة في تلك الرغبة أو ساعية لتحقيقها، وذلك من خلال إحراج الحكومة، ورسم دائرة أكبر للتأثير وسط المواطنين بإعلان موافقتها للمشاركة في الانتخابات العامة في ابريل من العام المقبل.. عليها أن تقدم على تلك الخطوة إن كانت تملك الثقة في عملها وأدائها، ليصفق لها حلفاؤها بعد أن تنجح في الإطاحة بالنظام من خلال انتفاضة الصناديق.. وإلا فإنها تريد للنظام أن يستمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق