الأربعاء، 21 يناير 2015

الحوار الوطني .. وإن طال السفر

بعد ستة أيام بالضبط، ستمُر الذكرى الأولى لإعلان الرئيس البشير مبادرته المشهورة للإصلاح السياسي، التي عُرفت لاحقاً بالحوار الوطني، وهي المبادرة التي أعقبت قرار الحزب الحاكم بضخ  دماء جديدة في جهازيه التنفيذي والحزبي، في إعلان رسمي بأنه سيسلك طريق الإصلاح بدلاً عن التغيير، أو كما قال!!
>  وعلى الرغم من مرور عام على خطاب (الوثبة) الذي أعلن فيه الرئيس البشير رؤيته لإصلاح الدولة والحزب، إلا أن المرء الذي يحاول أن يلتمس حصاد هذا العام في صحافتنا، أو لدى المشتغلين بالسياسة في بلادنا، يكاد يجد إجماعاً على أن المحصلة لا تكاد تساوى شيئاً في مقابل حجم التطلعات والآمال التي كان يُعلِّقها غالبية المشتغلين بالصحافة والسياسة على الحوار الوطني؛ فهل هذه هي الخلاصة التي تُعبِّر عن الحقيقية كما هي، أم أن هنالك جانباً من تلك الحقيقة تعذَّرت رؤيته بسبب غبار المعارك السياسية التي أُثيرت حول هذا الموضوع، أم حُجبت رؤيته لخلل ما، في التصورات والوقائع، التي شكَّلت مجتمعة الصورة الذهنية لموضوع الحوار الوطني على النحو الذي رآه به الناس؟؟.
>  في الأيام الأولى لإطلاق مبادرة الحوار الوطني، كتبتُ منبهاً إلى ضرورة فحص النوايا تجاه العملية برُمَّتها، من قِبل الحكومة، ومن قِبل المعارضة، وقلتُ فيما قلتُ إن حزب المؤتمر الوطني يُخطئ إن ظنَّ إن القوى السياسية المعارضة ستأتي إليه مهرولة طمعاً في السلطة أو خروجاً من دوامة الإنهاك التي وجدت نفسها فيها، وقلتُ أيضاً إن القوى السياسية المعارضة تُخطئ إن ظنت أن الحزب الحاكم حار به الدليل وبات يبحث عن شركاء يتحملون معه عبء الحال الذي آلت إليه أوضاع البلاد والعباد، ودعوتُ الطرفين أن يُقبلا على الحوار لا طمعاً في سلطة ولا هرباً من مسؤولية، وإنما رغبة في لم شمل الوطن والتطلُّع نحو المستقبل الذي تتسارع خطى الأمم والشعوب للانضمام إلى ركبه.
>  للأسف، ذهب صوتي وأصوات الكثيرين مثلي أدراج الرياح، فقاطعت قوى سياسية مسيرة الحوار، وهي بعد في طور التخلُّق، وسعت لإفشال أول أركانه وهو تحقيق السلام عبر تحالف سياسي مع حملة السلاح، وبقيت قوى سياسية أخرى تتقدم خطوة وتتراجع خطوتين، وافتقدت تحركات الحزب الحاكم تجاه الموضوع إلى الديناميكية وروح المبادرة السياسية، فغرقت في وحل الإجراءات؛ وأدى ذلك كله إلى تعظيم مساحات الشك المتبادل بدلاً عن تقليص المساحات الموجودة أصلاً، وهكذا فقدت مبادرة الحوار الوطني أهم عناصر نجاحها، وهي إعادة بناء الثقة بين مكوِّنات الوطن السياسية وجعلها رافعة لإعادة تعبئة الناس باتجاه المستقبل وقضاياه، بدلاً عن الركون للماضي وصراعاته.
> ومع هذا، فليس من المنصف أن نقرأ الفاتحة على روح الحوار الوطني، لمجرد أن الحكومة أصرت على الوفاء بالتزام دستوري آخر هو قيام الانتخابات في موعدها؛ فقيام الانتخابات لا يعني أن الأقلام قد رُفعت وأن الصحف قد جفت، بل على العكس يمكن أن يُشكِّل سانحة جديدة لإعادة العافية لجسد الحوار الوطني الذي أصابه الهزال، وحين تُقبل القوى السياسية على الحوار مجدداً، وتثبت جديتها في تشكيل أجندة الوطن المستقبلية، يصبح من غير العسير قيام انتخابات مجدداً لإنتاج برلمان يجد فيه الجميع فرصتهم للمشاركة في صياغة دستور السودان الدائم، ويكون فرصة لتحديد أوزان القوى السياسية التي طالما تمسكت بحيثيات التاريخ لتقرر في شأن المستقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق