الثلاثاء، 27 يناير 2015

الأمة القومي وإشهار إفلاس غير مجدي!

مثلما يفعل بعض العاملين في التجارة والأسواق حين يُحاصَرون بالديون والمطالبات المالية مع عجزهم عن الوفاء بها -وفى خطة قانونية استباقية- يلجئون إلى إشهار إفلاسهم وفق إجراءات معينة أمام المحاكم؛ وعبر أداء اليمين حتى يتسنى لهم -مستقبلاً- تفادي أي مطالبات من قبل الدائنين حيث يتيح إشهار الإفلاس ما يكمن اعتبارها حصانة تجاه الدائنين تمنعهم من مقاضاة المدين المفلس؛ فإن حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي -إذا صح ما رشح عنه مؤخراً- يبدو انه لجأ إلى هذه الطريقة.. إشهار الإفلاس، لتفادي المطالبة!
فقد تناقلت الأنباء خبر اتخاذ الحزب -بإيحاء من زعيمه المهدي من منفاه الاختياري في القاهرة- قراراً بحل أجهزة الحزب وتجميد أنشطته السياسية والنزول إلى تحت الأرض! إذا صحت هذه الخطوة والتي يبدو أن الحزب يحاول عن طريقها تفادي المطالبة الموجهة ضده بالحل والتجميد من قبل جهاز الأمن والمخابرات، فإن الحزب لسوء حظه يكون قد أرتكب أخطاء مزدوجة أكثر سوءاً من أن يواجه مصيره جراء الشكوى!
فعلى صعيد الافتراضات البديهية المعروفة إزاء الشكاوي ذات الصبغة القضائية، فإن من المتعارف عليه في الغالب إن نتيجة أي شكوى أمام جهة قضائية تحتمل إثنين؛ السلب والإيجاب فكما من الممكن أن يصدر قرار بحل وتجميد نشاط الحزب؛ فإن من المحتمل أيضاً بذات القدر أن يصدر قرار آخر بغير ذلك، إذ لا أحد مهما كانت التقديرات والمعطيات يستطيع التنبؤ بقرار من المنتظر أن يصدر عن جهة قضائية.
الخطأ الاستراتيجي لحزب الأمة فى هذه النقطة بالذات أنه أقر مسبقاً بخطئه ومخالفته ومن ثم شرع في ترتيب نفسه فيما يتعلق بالعقوبة! إذ أن قرار التجميد الاستباقي هذا ما هو إلا قرار استباقي لتفادي العقوبة التى ربما تتمثل في التجميد، فقد فضّل الحزب تجميد نفسه بنفسه!
من جانب آخر -وهو الأخطر وأهم- فإن الحزب ربما لم يدرك أن قراره بتجميد أنشطته وحل أجهزته، هو أيضاً قرار مخالف لقانون الأحزاب 2007 إذ ليس من حق الحزب -أي حزب- وبعد أن تم المساح له بممارسة نشاطه السياسي وأنشأ أجهزته، أن يقرر وقف نشاطه بقرار من زعيمه!
الإجراء يستلزم موافقة الجمعية العمومية للحزب، لأنها صاحبة السلطة العليا والفعلية وفق النظام الأساسي البديهي. وبهذا فإن الحزب لسوء حظه عرضة حتى في قراره الاستباقي هذا لقرار آخر من مجلس شئون الأحزاب إذا ما تقدم أي من عضويته ومنسوبيه بطلب يشكو فيه تجميد الحزب لأجهزته دون موافقة جمعيته العمومية، بل إن الحزب في أحسن الأحوال مطالب الآن بتقديم طلب مكتوب ومسبب لمجلس شئون الأحزاب يخطره فيه بالخطوة التى قام بها ومبرراته ودوافعه تجاهها والمدة التى يزمع فيها تجميد نشاطه!
من جانب ثالث فإن الإجراء حتى مع افتراض أن أحداً لم يتعرض أو يعترض عليه لا يسقط الشكوى ضد الحزب ولا يمنع المحكمة الدستورية من النظر فيها والتقرير بشأنها، ذلك أنه من الناحية القانونية المحضة فإن قرار الحزب بتجميد نشاطه أمر لا يغير من وضع الحزب القانوني ووجوده، ومن ثم فإن صدور قرار في وقت لاحق بحل الحزب وتجميده سوف ينزع عن قيادة الحزب أي تعاطف محلي أو دولي حيال القرار باعتبار أن الحزب من الأساس قرر تجميد نشاطه طواعية وبقرار أحادي من جانبه!
من الواضح إذن أن حزب الأمة القومي في حالة إرتباك غير مسبوق، وهذه في الحقيقة هي أزمة الأحزاب التقليدية التى عجزت عن استيعاب متغيرات الواقع والتفاعل معها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق