الثلاثاء، 20 يناير 2015

حركة مناوي.. نزيف القيادات

في الخامس عشر من يناير الحالي نعت حركة تحرير السودان قيادة مني أركو مناوي، مقتل العميد محمد هري شردقو قائد ركن عمليات جيش الحركة، الذي قتل قبل يومين من تاريخ النعي إثر هجوم شنته القوات المسلحة عند خزان أورشي، علي قوات الحركة المنسحبة من بلدتي (أبو لحا وأبو قمرا) بولاية شمال دارفور حسبما أعلنه أمس الأول، العقيد الصوارمي خالد سعد الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة.
ويعد هري من كبار قادة أركان جيش حركة مناوي، وأحد أعمدة جيش تحرير السودان منذ بواكير تأسيسها، وكان من بين آخرين لم يغادروا الأراضي التي احتلتها قوات مناوي مطلقاً، ملازماً جنوده ورفاقه طيلة عقد  من الزمان ونيف.
وقد تحسرت الحركة علي فقده حسبما بدا في بيانها الباكي، كما أن خطوة نعيه عبر بيان منشور تعد من الخطوات النادرة للحركة طوال تاريخ قتالها في دارفور.
وبرغم  أن مقتل هري من ناحية عسكرية يعد خسارة للحركة، إلا أنها بدت عازمة علي أن لا يثنيها فقده عن مراميها.
كما تعد  المعارك التي دارت  الأسبوع الماضي في مناطق شرق جبل مرة بين لقوات المسلحة وحركتي مناوي وعبد الواحد، هي الأولي من نوعها منذ وقت طويل، فمنذ  أن غيرت الحركات إستراتيجيتها القتالية أواخر  العام 2011 وتوقيعها ميثاق  تحالف الجبهة الثورية حفت حدة  المواجهات  العسكرية في مناطق دارفور، وانتقل نشاط الحركات القتالي إلي جنوب كردفان تحت مسمي التحالف الجديد، وامتدت رحلة قتال مشترك مع الجيش الشعبي، في جنوب كردفان علي مدي سنتين قبل أن تعود حركة مناوي إلي دارفور وتستقر في مناطق قريبة من حاضرة جنوب دارفور "نيالا" إلي الاتجاه الجنوب  الشرقي.
قبل أن تخرج من هذه المناطق في فبراير من العام الماضي، وتتوجه شرقاًَ، ولحظتها كانت قوات الدعم السريع  التي خرجت من "الأبيض" حاضرة شمال كردفان والتي حطت فيها عقب  أن أنهت مهمتها في جنوب كردفان، متحركة صوب جنوب دارفور، وعند وصولها إلي مناطق "أم قونجا" و"الحجير" وقري أخري مجاورة تقع جنوب شرق نيالا.
كانت قوات مناوي تدخل  محليتين بولاية شمال دارفور هما "اللعيت جار النبي" و"الطويشة" قبل أن تغادرهما بعد أسبوعين إلي مناطق بشمال الولاية.
نزيف القيادات ظل متواصلاً في حركة تحرير السودان قيادة مناوي، وأغلبه كان نزيف الانشقاقات، وبدأت تلك الانشقاقات عقب وصول مناوي إلي الخرطوم كبيراً لمساعدي الرئيس البشير، حيث مكث في منصبه ذاك زهاء العامين، قبل أن يخرج مغاضباً في مايو 2008م، متوجهاً إلي دارفور حيث قواته الميدانية، ومكث وسطها حوالي الشهرين قبل أن يعلن تمرده من جديد رسمياً، وخلال وجوده بين قواته أرسل عدة رسائل تبين في مجملها أنه غاضب علي صير تنفيذ الاتفاقية التي وقعها مع الحكومة، مطالباً الأخيرة بضرورة الالتزام بها وتنفيذها علي أكمل وجه حتي تتسني له العودة من جديد إلي الخرطوم.
وأثناء تباعد المواقف بين الطرفين كانت التوترات داخل الحركة ترتفع يوماً عقب آخر، حتي بلغت ذروتها لحظة إعلان مناوي فض شراكته للحكومة واختياره الغابة من جديد علي القصر الرئاسي، وهو القرار الذي لم يعجب عدداً من القادة السياسيين والعسكريين بالحركة، فسارع بعضهم إلي الخروج علي مناوي ورفض مغادرة الخرطوم بعد أن عقدوا مؤتمراً صحفياً أعلنوا خلاله عزلهم لمناوي.
وكان من بين القادة السياسيين يومها، يعقوب الملك عضو البرلمان الحالي عن دائرة قريضة، ومبارك حامد علي ، أمين السلطة الانتقالية سابقاً، وعلي حسين دوسه، الأمين العام المكلف وقتها.
ومن القيادات العسكرية كان حسن صالح نهار قائد ركن الاستخبارات العسكرية، ومحمد دربين المتحدث العسكري باسم الحركة.
ولم تنته مسيرة الانشقاقات في صفوف الحركة، لجهة أن الحركة لم تمت بعد، فما أن يعلن أن مجموعة قيادات اشتقت عن الحركة ويظن البعض أنه نهاية الحركة، حتي يأتي آخرون يمشون علي ذات الدرب فما تكاد تذكر سيرة للأولين أو إلي أي البقاع ذهبوا.
آخر  تلك الانشقاقات قام به في أكتوبر من العام الماضي نحو (26) من القادة الميدانيين، أطلقوا علي أنفسهن أسم "مجموعة الإصلاح" بقيادة آدم صالح أبكر الناطق العسكري للحركة، وقائد ركن الإمداد"، والعقيد عبد الله تجاني شغب، والعقيد آدم بوي داد "مساعد الرئيس للشؤون الإنسانية" والمقدم أبكر صابون فلانكا.
بعد أن اتهموا مناوي بممارسة الجهوية والعنصرية والدكتاتورية وعدم إتاحة المجال لقادة الحركة لمناقشة قضاياها، إلي جانب استغلال موارد الحركة لمصالحه الشخصية.. بينما قالت الحركة إن الضباط المذكورين تم فصلهم في أعقاب رصد تورطهم في تحركات باتجاه التخابر مع الحكومة السودانية.
منذ أن خرج مناوي من القصر تاركاً كرسي كبير مساعدي الرئيس الذي كان يشغله فارغاً، تغيرت لهجته ومواقفه من حكومة الخرطوم، وبدأ أكثر معارضة وشراسة وتصلبا في مواقفه من عملية التفاوض، وبات منادياً مع غيره بإسقاط النظام، بعد أن رأي أنه لا يمكن التوصل إلي حل للأزمة السودانية وسلام عادل شامل في وجود النظام الحالي، متخذاً تجربته في القصر عقب  الاتفاقية التي وقعها في أبوحا مايو 2006م، دليلاً علي مماطلة النظام وعدم وفائه بالاتفاقيات التي يمهرها مع الحركات المسلحة.
وتعبر حركة مناوي أكثر الحركات وجوداً في ميدان القتال بدارفور في الآونة الأخيرة، وفقا للأحداث التي شهدها الإقليم، فبعد أن نقلت حركة العدل والمساواة نشاطها إلي جنوب كردفان، وانعزلت كلياً عن ما يجري في دارفور من تطورات عسكرية، إضافة إلي وجود قوات عبد الواحد في مناطق محصورة في شرق جبل مرة، كانت حركة مناوي الأكثر نشاطاً عسكرياً في الإقليم.
ففي مارس من العام الماضي دخلت في أوقات متزامنة ثلاث مدن في شمال دارفور، هي اللعيت جار النبي والطويشة في الجهة الشرقية للولاية، وبينما استقرت في اللعيت والطويشة عدة أيام بلياليها، خرجت من مليط صباح اليوم التالي بعد أن دخلتها مساءً.
وتستقر أغلب قوات مناوي في منطقة وادي هور بولاية شمال دارفور، وهي ذات المناطق التي كانت تتخذها قوات حركة العدل والمساواة علي عهد قائدها السابق خليل إبراهيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق