الخميس، 22 يناير 2015

البطر السياسي!

المنطق الذي استند عليه رئيس حزب الأمة الحقيقة الفيدرالي، فضل السيد شعيب فى خوض حزبه للانتخابات العامة التى دارت عجلتها للتو في السودان كان من المتوقع أن يكون هو المنطق السياسي الذي تستند عليه كافة القوى السياسية السودانية المعارضة فى خوضها للانتخابات.
رئيس حزب الحقيقة الفيدرالي قال إنهم يخوضون الانتخابات العامة (ترسيخاً للممارسة الديمقراطية). والواقع إن هذا المنطق السياسي هو الفكرة المركزية والأساسية فى كل الحراك السياسي في السودان، إذ أن العملية الانتخابية إجمالاً هي الآلية الوحيدة الحضارية المتاحة للتداول السلمي للسلطة بغض النظر عمن يحرز الفوز فيها، وبغض النظر عن ما إذا كان الطرف الفائز يستحق الفوز من عدمه.
ومن الغريب أن العشرات من القوى السياسية التى تتردد الآن حيال هذه العملية بعضها تتنازعه رغبة الخوض ولكنه يخشى الفشل، وبعضها يتخوف من شماتة رفاقه فى المعارضة، وبعضها الآن تائهة بفعل أحلامها الوردية الأقرب للمستحيل بسقوط النظام القائم نفسه! الغريب أن هذه القوى على يقين تام أنه لابد من أن يأتي يوم يضطرون فيه لخوض هذه العملية الانتخابية طال الزمن أو قصر وقد يضطروا لخوضها فى ظروف أكثر سوءاً من الظروف الحالية، إذ أن السياسة فى عمومها نهر جاري؛ وحافلة بالمتغيرات إذ ربما تفرز نتائج الانتخابات الحالية واقعاً مختلفاً للغاية، وقد تعيد تشكيل الخارطة السياسية وترتيب القوى السياسية التى خاضتها ومن ثم تتراجع هذه القوى التى رفضت أو ترددت فى خوضها، لأن التاريخ فى العادة لا يلقي بالاً لمن يترددون في خوض غمار المعارك، ويفضلون معاركاً أكثر سهولة وفى مناخ وظروف سهلة ومواتية!
ولا ندري كمراقبين كيف يمكن أن يتم إثراء تجربة الممارسة الديمقراطية في بلد كالسودان تنتاشه سهام المشاكل والأزمات وتتنازعه المنازعات إن لم يكن عبر الإصرار على ترسيخ فكرة الانتخابات العامة والصبر والمثابرة عليها وتطويرها فى كل دورة وتحسين ظروف قيامها قدر الإمكان.
إن القوى السياسية التى تبحث عن (مدنية انتخابية فاضلة) عبر وضع انتقالي، وفترة انتقالية والرجوع من جديد إلى المربع الأول القديم لا شك أنها تعتقد أن الفترة الانتقالية هي إكسير الحياة الذي سيمنحها جماهيراً فقدتها بفعل المتغيرات السياسية، وهو الدواء الذي سيمنع عنها مضاعفات الشيخوخة السياسية!
إن أزمة القوى السياسية المعارضة أنها غير مختبرة جماهيرياً، ولم تفحصها بعد أجهزة الفحص الجماهيري، ولم تحقق فى تاريخها انجازاً سياسياً وكل ما فعلته أنها تحلم، والحلم مشروع ولكن الأحلام لا تأتي إلا عبر العودة إلى الواقع.
إن من سخريات القدر أن يتاح في السودان للكل عرض نفسه على صناديق الاقتراع ولكن يأبى البعض بحجج ومبررات واهية، بينما هناك بلدان فى عالمنا القريب ومحيطنا المحلي لا تعرف المعنى الحقيقي للإنتخابات العامة والتداول السلمي للسلطة. إنه البَطر السياسي الذي لا دواء له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق