الاثنين، 5 يناير 2015

أزمة المسئولية الوطنية فى الأحزاب السياسية السودانية!

الأحزاب السياسية السودانية الجالسة حالياً –ومنذ قرن من الزمان– فى مقاعد المعارضة لا يبدو ان أزمتها -كما تدعي وتزعم- أزمة ممارسة سياسية وتداول سلمي للسلطة. ليس دقيقاً على الاطلاق ان هذه الاحزاب تلهث وتسعى من أجل تداول سلمي للسلطة وديمقراطية حقيقية في السودان. إذ أن هذه الاحزاب هي نفسها وفى حد ذاتها الجزء الاكبر من الازمة.
وعلى سبيل المثال فإن الحكومة اعلنت منذ ما يجاوز الـ6 أشهر ان الانتخابات العامة قائمة في موعدها في أبريل 2015م؛ لو أن هذه الاحزاب أحزاب طبيعية ناضجة متحلية بروح المسئولية الوطنية فقد كان يتعين عليها حال سماعها لهذا القرار الحكومي المتبوع بإجراءات عملية تقوم بها مفوضية الانتخابات العامة ان تقرر عبر اجهزتها التنظيمية، بعد التشاور مع كافة مكوناتها وجماهيرها (إن وجدت) وبعد اخضاع الامر لدراسة وافية ما إذا كان يتعين عليها ان تخوض هذه الانتخابات أو تتخذ قراراً قاطعاً بمقاطعتها وفي حالة المقاطعة تورد مبررات منطقية وكافية لا مجال لأحد ان ينتقدها.
الذي حدث ان هذه الاحزاب (الأمة القومي بزعامة المهدي، الاتحادي الاصل بزعامة الميرغني، الشعبي والشيوعي والبعث بشقيه) لم تستطع حتى الآن وقد تبقت للعملية الانتخابية اقل من ثلاثة أشهر قراراً واضحاً يراعي مصلحة الجماهير ومصلحة الوطن فى هذا الموضوع الحيوي المهم. والغريب انها ومع علمها منذ العام 2010 ان أجل الاستحقاق الانتخابي المقبل سيكون فى العام 2015 إلا أنها لم تتحسب لهذا الامر على الإطلاق! وهذا يعني -بكل حزن وأسف- ان هذه القوى الحزبية تعتمِد بصفة أساسية في عملها وحراكها على الاحلام والتمنيات المجردة! إذ لا شك انها كانت تحلم وتتمنى ان تنجح فى إسقاط السلطة القائمة ويكفيها ذلك عناء خوض الانتخابات! كما انها عاشت على انغام أحلام وأماني بأن تسقط الحكومة ويتم تكوين حكومة انتقال وتحدد لها فترة انتقالية عامين أو ثلاث وبعدها تحملها الجماهير على مقاعد من ذهب وعلى الاعناق للجلوس على كراسي السلطة.
ليس في حسابات هذه القوى السياسية رغم عراقة بعضها المتغيرات السياسية محلياً ودولياً وإقليمياً. بل ليس فى حساباتها ان طبيعة اللعبة الديمقراطية فى السودان بعد العشرين سنة التى انصرمت وعقب انفصال جنوب السودان قد اختلفت كثيراً ومن سوء التقدير الاعتقاد ان المعاقل الحزبية المقفولة القديمة ما تزال كما هي وأن المناخ السوداني ما يزال كما هو! ولهذا فإن الامر الاكثر مدعاة للحيرة هنا أنه وحتى على فرض تأجيل الانتخابات العامة لعام أو عامين، ما هو الجديد الذي سوف تفعله هذه القوى؟
قوى ظلت لخمس اعوام ماضية منذ الاستحقاق السابق كما هي لا أرضاً قطعت ولا ظهراً أبقت، ما الذي بإمكانها ان تفعله فى عام أو عامين؟ إن تصوير قضية الانتخابات العامة في السودان وكأنها هي مربط فرس الازمة بلا شك هو تصوير فيه تجني على السودانيين ومن الغريب ان هذه القوى السياسية ارتضت -بمحض إرادتها- الاستحقاق السابق فى العام 2010 وبعضها خاضه والبعض الآخر تخوف من خسارته فإنسحب، ومع ذلك فقد رفضوا الآن -دون مسوغ منطقي- الاجل المضروب لهذه الانتخابات.
إن عدم استعداد بعض هذه القوى او معاناتهم من تعقيدات تنظيمية او مخاوفهم من خسران معاقلهم التقليدية كل هذه أمور لا صلة لها بأجل الانتخابات. والأمر المحير أن هذه القوى يساورها الاعتقاد فقط أنها لا بد من ان تخوض استحقاق انتخابي (مضمون) بالنسبة لها! فالعملية السياسية عملية قائمة على التطور المستمر إذ من الممكن أن تخوض هذه الاحزاب أية انتخابات يتم الاعلان عنها بإستمرار وتركز على ان تنجح بوسائل عملية ولا تهتم للفشل المتكرر لأن طبيعة العملية تحتمل النجاح والفشل.
ولهذا فإن الازمة الحقيقية فى الواقع إنما تتركز بصفة اساسية فى هذه الاحزاب التى لا تجيد مهارة تسوية الملعب السياسي والإسهام في اصلاحه وتطويره ولا تجيد مهارة اسقاط الحكومات بقدراتها الذاتية ولا تجيد ماهرة اللعب والمثابرة لبلوغ الغايات، والأنكى من ذلك انها تصرخ وتولول ليل نهار مطالبة بالتحول الديمقراطي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق