الاثنين، 26 يناير 2015

الانتخابات العامة في السودان.. مخاوف الإخفاق وجدلية المقاطعة والمراقبة!

ربما بدا للبعض ممن يتحسرون في دواخلهم من عدم مقدرتهم على خوض تحديات الانتخابات العامة لضيق (ذات أحزابهم) وفقدانهم لمعاقلهم التاريخية وعدم مواكبتهم للمتغيرات أن الانتخابات التى دارت عجلتها حالياً في السودان بالإمكان إفشالها! فبعد أن ثبت أن مقاطعة العملية عديمة الجدوى باعتبار أن العملية فى جوهرها هي عملية ديمقراطية وما من عاقل يقاطع عملية ديمقراطية، وأنه حتى ولو قاطعت بعض القوى السياسية العملية فإنها عملياً لا تستطيع إجبار الناخبين (وهم ما يجاوز الـ15 مليون نسمة) من المشاركة في العملية.
لو كان لأحزاب المعارضة جماهير حقيقة تسندها وتستطيع التأثير عليها لخاضت العملية مهما بدت غير نزيهة أو عادلة. مأزق القوى السياسية الأساسي أنها بلا جماهير، فكيف لمن هو بلا جماهير ولا قواعد مؤثرة أن ينجح في مخاطبة الجماهير ويقنعها بمقاطعة العملية الانتخابية؟ ما هو المنطق السياسي المقنع الذي يجعل جماهير السودان تذعن لمطالب هذه القوى وتقاطع العملية؟
إن جماهير السودان المتسلحة بالوعي السياسي والذكاء الفطري تعلم أن العملية الانتخابية هي ذروة الممارسة الديمقراطية وأن على كافة القوى السياسية التى خرجت للعمل السياسي أن تلتزم بقواعد اللعبة وألا تتهرب منها بدعاوي غير مقنعة. ولهذا فإن التساؤلات التى تدور الآن فى أذهان الناخبين السودانيين لا تملك القوى السياسية المعارضة إجابة شافية لها، فالسؤال الجوهري الوحيد المتعلق بما هي أسباب مقاطعة هذه القوى للعملية لن تجد له إجابة.
فإذا كان الأمر يتصل بالمناخ العام فإن القوى السياسية –إن كانت قوى سياسية قوية وحقيقية– هي التى عليها أن تروِّض هذا المناخ وان تستفيد بشتى السبل من المناخ المتاح حتى ولو وصل الأمر إلى درجة وقوع عمليات تزوير من قبل الحكومية السودانية، فالمحك في مثل هذه الأمور هو العمل على ترسيخ الممارسة قدر الإمكان والعمل على تطويرها دورة إثر دورة حتى تصبح في خاتمة المطاف متطورة ونظيفة ومرضية للكافة.
إن جزء مقدر من مهام الأحزاب السياسية في البلد الإسهام في إصلاح الملعب السياسي وتطوير الممارسة الديمقراطية والصبر والمثابرة عليها. لا يمكن أن يكون كل هم القوى السياسية أن يتم تحضير كل شيء لصالحها! أن يقوم الحزب الحاكم بتنظيف الملعب لها وإعداد الشاي والطعام والموائد لكي تأتي هي كضيف وتتمتع بميزات الضيف!
الآن وبعد أن فشلت عملية المقاطعة أو كادت، وبعد أن شعرت هذه القوى السياسية أن الناخبين السودانيين لن يشاركوا القوى المعارضة هذه ما تصبو إليه بدأ التركيز على المنظمات الدولية التى أحجمت عن الدعم المادي للعلمية فضلاً عن إحجامها عن مراقبة العملية!
وفيما يختص بالدعم المادي فإن السودان لم يطلب من أحد تقديم الدعم له، وليس من حسن إدارة الأمور تسول الدعم من الخارج كما ليس شرطاً لصحة العملية أن تجد الدعم المادي من الخارج، وهذا أمر بديهي بصرف النظر عن موقفنا من المؤتمر الوطني، فالعملية الانتخابية فى نهاية المطاف عملية سياسية وطنية سودانية خالصة، لا مصلحة لأحد غير السودانيين فى نجاحها وإذا كانت بعض المنظمات المهتمة بالديمقراطية تقدم تمويلا لمثل هذه العمليات من هذا المنطلق فإن من المؤكد أن هذه المنظمات لديها مصالحها الخاصة وأجندتها والتي إن لم تظهر بوضوح فإنها بالتأكيد سوف تظهر في مرحلة من المراحل.
أما فيما يخص بالرقابة الدولية، فهذه للأسف أصبحت في الآونة الأخيرة (عقدة استعمارية) بغيضة، فحتى أكثر الوطنيين والنخب والمثقفين يراهنون على قيام منظمات أجنبية بمراقبة العملية (لتصحيحيها) ومنحها شهادة صحة ومشروعية! صحيح إن المراقبة الدولية ربما تضفي نزاهة مطلوبة لتأكيد سلامة العملية ولكن من قال إن أية انتخابات عامة لم تتم مراقبتها دولياً ليست انتخابات صحيحة معترف بها؟ هل نص قانون الانتخابات العامة في السودان على عدم مشروعية أي عملية انتخابية إذا لم تكن مراقبة دولياً؟
إن عدم مراقبة الانتخابات العامة المرتقبة في السودان لا يقلل من مشروعتيها ولا ينزع عنها قانونيتها ولا ينقص من وزنها شيء، وليس سراً في هذا الصدد أن هذه الانتقادات التى بدأ البعض يوجهها إلى العملية الانتخابية في السودان الهدف منها الطعن في هذه العملية والتشويش عليها حتى تصبح مثيرة للجدل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق