الاثنين، 26 يناير 2015

الصيف الحاسم.. توقيعات السلاح غير القابلة للتزوير!

حين أعلنت الحكومة السودانية قبل نحو من عامين عن مشروعها العسكري الكبير الذي أطلقت عليه (الصيف الحاسم) كان من الواضح أنها بالفعل قد أعدت العدة واستعدت لعمل استراتجيي كبير، هدفه الرئيس كسر شوكة العمل المسلح الذي ظلت تواجهه فى مناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق وإقليم دارفور.
ولا شك أن العمل المسلح المنطلق في هذه المناطق الإستراتيجية الحيوية ظل يعرقل مسيرة البلاد على كافة الأصعدة ويعيق عملية الاستقرار السياسي والأمني التى بذلت من أجلها الحكومة السودانية جهوداً جبارة وما تزال.
عملية الصيف الساخن التى بدأت تدخل مراحها الأخيرة الصعبة يمكن القول إنها حتى الآن نجحت فى خلخلة بنيان العمل المسلح واستطاعت -بالفعل- أن تصيب العمود الفقري الرئيسي لحملة السلاح، ففي جنوب كردفان مثلاً وبعد مسيرة طويلة وشاقة يمكن حسابها بآلاف الأميال، وصل الجيش السوداني إلى مشارف منطقة كادوا، إحدى أهم معاقل قوات الحركة الشعبية قطاع الشمال وما يسمى بالجبهة الثورية، إذ تعتبر منطقة (أنقارتو) الواقعة إلى الجانب الشرقي لمنطقة كاودا، نقطة متقدمة تلامس العمق الاستراتجي للمنطقة، وتضع قوات قطاع الشمال فى وضع مكشوف بالنسبة للجيش السوداني حيث لا مفر أمام قوات القطاع من الترتيب لمعركة دفاعية فاصلة لا تتوفر فيها مزايا كثيرة بإمكانها الاستفادة منها، إذ أن الخيار الوحيد المتاح أمام قوات قطاع الشمال هو التراجع الى داخل الحدود الجنوبية مع عدم وجود ضمانات بأن يكون تراجع قوات القطاع إلى الداخل الجنوبي أمراً مأموناً فى ظل الصراع الجنوبي الجنوبي الدائر هناك والذي ما تزال نتائجه غير واضحة نظراً لتعقيدات الأوضاع في كل ساعة زمان فى المنطقة.
اقتراب الجيش السوداني -مجرد الاقتراب- من آخر المعاقل الحصينة لقطاع الشمال والجبهة الثورية مع توفر خطوط إمداد طويلة وآمنة للجيش السوداني يضع قوات القطاع وعلى نحو غير مسبوق فى وضع عسكري حرج للغاية، مهما حصل القطاع على دعم وعتاد حربي لأن خيار المعركة الدفاعية عادة لأي قوات متمردة هو أسوأ الخيارات باعتباره لا يوفر أي حافز معنوي حقيقي لتحقيق أهداف إستراتيجية، فهو قتال فقط من أجل الشرف القتالي والمحافظة على الحصن، وهذه في العلوم العسكرية ليست حافزاً كافياً للجنود للإستبسال فى القتال.
من جانب ثاني فإن شعور قوات القطاع أن اجتياح حصنهم مسألة وقت حتى ولو طال ذلك الوقت لأشهر وسنوات يدفعهم نحو الاستسلام والانسلاخ والعودة وهي أمور حدثت بالفعل فى فترات سابقة حيث عاد المئات من خيرة قادة قطاع الشمال وسلموا أنفسهم للجيش السوداني.
أما على صعيد إقليم دارفور فإن مشروع الصيف الحاسم استطاع أن يدك إحدى أهم مناطق حركة مناوي الحصينة فى مناطق (أبو لحا) و (أبو قمرا) وانفتحت الطرقات حتى منطقة (أورشي) والأسوأ من ذلك أن من بين قتلى حركة مناوي رئيس هيئة أركان جيشه وهو ما يعتبر فى الأعراف العسكرية بمثابة هزيمة ماحقة.
وهكذا يمكن القول أن عمليات الصيف الحاسم أثبتت أن العمل المسلح الموجه ضد الدولة لم يعد سهلاً كما كان في السابق، ولم يعد الدعم الخارجي وحده كافياً للتمسك بالأرض والمعاقل، الأمر بات يستلزم ثباتاً حقيقياً وقتالاً احترافياً مسنوداً بمعنويات لم تتوفر أبداً في أي يوم لحملة السلاح. كما أن أكبر دليل على نجاح هذا المشرع الكبير أن كل القوى المسلحة التى كانت في السابق تجنح نحو المغالطات وإخراج البيانات المضادة لزمت هذه المرة الصمت، فقد أدركت أن توقيعات السلاح على رقعة الأرض أبلغ من أن يتم تزويرها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق