الأحد، 18 يناير 2015

اليوناميد.. تكتيكات ضد إستراتيجية الخروج!

لو لم يكن بقاء قوات البعثة المشتركة المكلفة بحفظ السلام فى إقليم دارفور غربيّ السودان يخدم أجندة قوى دولية معينة فإن استخدام السودان لحقه فى طلب اعتماد إستراتيجية خروج عقب تحسن الأوضاع فى الإقليم وبعد ثبوت أن البعثة نفسها باتت تشكل عبئاً أمنياً على السودان بدلاً من أن تكون عنصر مساعد فى استقرار الإقليم يعد أمراً طبيعياً، كان الأمر المتوقع أن يقابل الطلب بموقف إيجابي من البعثة ورئاستها فى نيويورك!
الملاحظ الآن أن البعثة وفي سبيل الحصول على أطول وقت ممكن للبقاء في الإقليم وهدم الطلب السوداني بدأت تتخذ تكتيكات شتى تمهيداً لإثبات أن بقاءها في الإقليم أمر لازم وضروري، فمن جهة أولى عقدت البعثة اتفاقاً سرياً مع الحركات الدارفورية المسلحة فى العاصمة اليوغندية كمبالا -قبل أسابيع- يتيح لها حرية الحركة دون التعرض لها من قبل عناصر الحركات المسلحة، وهذا يعني ضمناً أن اليوناميد تستشرف مرحلة جديدة فى مراحل وجودها تعتمد على حرية الحركة والزعم بوجود وقائع وأحداث تستلزم بقاءها لأنها في مقابل عدم تعرض الحركات المسلحة لها تقوم بتقديم الدعم لهذه الحركات المسلحة لتقوم الأخيرة -استناداً لهذا الدعم- بتفجير الأوضاع فى الإقليم لنسف الاستقرار باعتبار أن استقرار الأوضاع عنصر مهم من عناصر بحث إستراتيجية الخروج.
هذا التكتيك رغم ما فيه من ذكاء ومهارة إلا انه ربما يصطدم بعدم التزام الحركات المسلحة بمثل هذه الاتفاقات فى ظل تعدد الحركات المسلحة الذي ربما يفشل هذا التكتيك بالإضافة إلى أن وجود قوات الدعم السريع التى أقرّت اليوناميد بأنها أحدثت تفوقاً ملحوظاً على الحركات المسلحة واستطاعت أن تقضي على تحركات المتمردين؛ قد يصبح هو الآخر عاملاً أيضاً مؤثراً فى إحباط تكتيك اليوناميد هذا.
ومن جهة ثانية فإن اليوناميد أيضاً وبعدما أدركت خطورة الأداء الممتاز والمؤثر لقوات الدعم السريع تريد أن تضع صورة مختلفة لهذه القوات أمام الأمم المتحدة حتى يتم البحث عن وسيلة لعرقلة عمل هذه القوات باعتبارها أصبحت المعادل الموضوعي الذي يهدد العمل المسلح فى الإقليم وينسف فكرة قوات حفظ السلام من أساسها! لقد أشارت اليوناميد بالفعل فى أحد تقاريرها الحديثة مؤخراً إلى قوات الدعم السريع وهي إشارة ذات مغزى!
من جهة ثالثة فإن اليوناميد رسمت فى تقريرها صورة قاتمة للأوضاع فى ولايات دارفور رغم إقرارها فى ذات التقرير بتحسن الأوضاع وهي إشارة هي الأخرى مطلوب فقط أن تثير شكوك أعضاء مجلس الأمن وأن تظل عالقة في أذهانهم حتى لا يناقشوا إستراتجية الخروج بذهن صافي.
هناك أيضاً تكتيك آخر خطير يتعلق مزاعم اغتصابات تابت إذ على الرغم من أن الملف قد تم طيه وتجاوزته الأحداث إلا أن إعادة الملف من جديد إلى صدارة الأحداث يتيح لمجلس الأمن ممارسة ضغوط على الحكومة السودانية بما قد يضعف حججها -بحسب تقديرات قادة اليوناميد- فى ما يخص إستراتيجية الخرطوم.
لقد بدا واضحاً الآن أن قوات حفظ السلام التى جاءت بموافقة سودانية لا تريد الخروج من إقليم دارفور وتحاول بشتى السبل البقاء لأطول فترة ممكنة وهو أمر سبق وأن تحدث عنه مسئول مهام حفظ السلام بالأمم المتحدة قبل أسابيع حين رفض أي حديث عن خروج البعثة من إقليم دارفور متحججاً بعدم استقرار الأوضاع. وفيما يبدو أن الرجل -ومنذ تلك اللحظة- عمل مع مساعديه على بناء قضية بقاء فى الإقليم تستند على الوقائع يتم تضمنيها باستمرار فى التقارير المرفوعة لرئاسة المنظمة في نيويورك، تدق باستمرار ناقوس الخطر فى أذهان أعضاء مجلس الأمن ولا تدعهم ينظرون إلى الطلب السوداني ولا أن يعيروا الخرطوم أدنى إلتفاتة! فهل ينجح هذا التكتيك المعتمد على التقارير وغسل الأدمغة؟ الأيام وحدها ما قد تكشف عن ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق