الأحد، 18 يناير 2015

يطالبون بالديمقراطية ثم يقاطعونها!

سيكون عسيراً على أي مراقب داخلياً أو خارجياً أن يستوعب كيف أن أحزاباً سياسية سودانية ظلت تعارض السلطة الحاكمة لسنوات طوال مطالبة بالديمقراطية والتحول الديمقراطي والحريات وحين حان أوان الانتخابات ودنت ساعة الحقيقة قررت مقاطعتها!
هذا للأسف الشديد هو الواقع الغريب حالياً بالنسبة لبعض الأحزاب السودانية وفي مقدمتها حزب الأمة القومي بزعامة المهدي والشيوعي والبعث والمؤتمر السوداني. ولعل الأغرب من كل ذلك أن الدستور الانتقالي 2005 شاركت فيه بفاعلية هذه الأحزاب فى صياغته، وشاركت فى صياغة قانون الانتخابات العامة 2008 وشاركت في قانون الأحزاب 2007 بل إن مفوضية الانتخابات العامة شاركت بصفة أساسية وفاعلة هذه الأحزاب في تشكيلها وليس أدل على ذلك من أن رئيس مفوضية الانتخابات العامة البروفسير الأصم جاء رئيساً للمفوضة بناء على ترشيح السيد الصادق المهدي!
إذن ماذا تبقى لكي تعترض عليه هذه القوى السياسية؟ حتى لو قلنا إن المناخ الذي تقام فيه هذه الانتخابات غير مواتي وأنها لديها مطلوبات مهمة أخرى؛ حتى ولو سايرناها فى ذلك مع أن السياسة هي فن الممكن، فإن بإمكان هذه القوى أن تخوضها على علاتها وأن يكون ذلك مراناً ديمقراطياً لصالحها ولصالح التجربة ولصالح الوطن إذ ليس مهماً أن تحقق كل هذه القوى فوزاً كاسحاً من الوهلة الأولى، ففي إمكانها خوض التجربة تلو التجربة مع المثابرة على تحسين المناخ دورة إثر دورة بنفس طويل وثقة متزايدة.
لا ندري من الذي أوحى لهذه القوى السياسية أن الانتخابات العامة (مرة فى العمر)!.. إذا لم تفز فيها هذه المرة الوحيدة فلا مجال للفوز مرة أخرى؟ ومن قال لها إن الولاءات السياسية شيء ثابت؟ ومن قال لها إن ولاءاتها القديمة ما تزال قائمة منذ نصف قرن من الزمان ؟ بل إن هذه الأحزاب كان وما يزال بوسعها الاستفادة من المناخ المتاح لكي تصحح أوضاعها التنظيمية وتتفاعل مع الجماهير لأن الانتخابات ليست مجرد بطاقات فى الصناديق، وإنما هي عمل مضني متواصل يربط القواعد بالحزب، ويتفاعل مع قضايا الناس والبرامج ووجود أفكار ورؤى قادرة على تغيير حياة الناس.
إن المفهوم التجريدي البائس لفكرة الانتخابات لدى القوى السياسية السودانية المرتبط بالحنين إلى الماضي وعدم الاكتراث للمتغيرات التى جرت، لا يليق بأحزاب سياسية عريضة يتمتع قادتها بخبرات طويلة وأفكار معروفة.
إن خسائر هذه القوى جراء موقفها السالب هذا سوف تتضاعف، فسوف تمضي العملية الانتخابية بمشاركة أحزاب عديدة بما في ذلك الحزب الاتحادي الأصل بزعامة الميرغني وهذا سوف يفضي إلى واقع سياسي لن يملك المجتمع الدولي سوى احترامه واعتباره ممارسة ديمقراطية وستكتسب الحكومة شرعية جديدة وستظل ذات هذه القوى تدور في فلك فشلها القديم المتجدد؛ ولهذا فإن معضلة الممارسة الحزبية فى السودان بغض النظر عن مآلات الأوضاع فى هذا البلد مستقبلاً ستظل بذات أزمتها القديمة إذا لم تخرج هذه القوى السياسية من قوقعتها وتتصالح مع الواقع وتعيد قراءة تجربة الانتخابات نفسها بصورة أكثر موضوعية وشمولاً.
والغريب حقاً أن أي حزب سياسي حين يتشكل يكون هدفه الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع وطالما أن هذا أمر متاح -وهو السبيل الوحيد- فإن من العيب بمكان أن يهرب هذا الحزب أو ذاك من المعركة بأي دعوى من الدعاوي، فإدعاء التزوير المسبق أو استخدام مقدرات الدولة، أو ممارسة أساليب فاسدة، هذه كلها أمور سابقة لأوانها ولا دليل عليها حتى ولو ثبتت فإن التغلب عليها إنما يتم بالجهد المتواصل والمثابرة والصبر على التجربة لا برفضها والبحث عن خيارات الانتفاضة المسلحة والخزعبلات السياسية التى ظلت تعشعش فى عقول قادة أحزاب فاشلين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق