الاثنين، 26 يناير 2015

السياسة والسلاح في المخيلة الحزبية السياسية السودانية!

سارع حزب الأمة القومي بزعامة السيد الصادق المهدي للإعلان عن تجميد نشاطه في خطوة استباقية فيما يبدو لقطع الطريق على الإجراءات شبه القضائية التى ابتدرها جهاز الأمن والمخابرات الوطني لدى مجلس شئون الأحزاب لحل وتجميد نشاط الحزب على خلفية توقعيه على إعلان باريس ونداء السودان مع الجبهة الثورية مؤخراً.
ومع أن خطوة الحزب الأحادية الجانب تبدو عديمة الجدوى حيال هذه الإجراءات على اعتبار أن الخطوة لن توقف الإجراءات وأن المقصد من وراء الإجراءات ليس اختصام حزب الأمة القومي وتصعيد الموقف ضده وإنما المقصد هو ترسيخ سوابق قانونية واضحة تمنع قيام الأحزاب السياسية من الجمع بين العمل السياسي والعمل المسلح  فى آن واحد.
والواقع أن هذه الفرضية القانونية تتزايد الحاجة إليها في ظل الواقع السياسي السوداني الذاخر بنماذج مماثلة، إذ ليس سراً أن العديد من القوى السياسية التى تعمل فى الساحة السياسية وفق قانون الأحزاب 2007 كثيراً ما تلجأ إلى التحالف مع بعض القوى الحاملة للسلاح فى سياق مكايدتها ومحاولاتها للضغط على السلطة الحاكمة.
رأينا ذلك في العام 1999 حين وقع حزب المؤتمر الشعبي المعارض وثيقة مع الحركة الشعبية الجنوبية التى كانت تقاتل الحكومة المركزية في الخرطوم آنئذ. رأينا ذلك أيضاً في تجربة التجمع الوطني في العام 1995 (مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية) وكيف قامت أحزاب سياسية بالتحالف مع الحركة الشعبية المسلحة. رأينا ذلك أيضاً حينما قام حزب الأمة القومي بالتوقع على إعلان باريس والذي ينص في بعض بنوده على أن يتم إسقاط الحكومة عبر العمل المسلح ثم ينصب السيد الصادق المهدي رئيساً للبلاد لفترة انتقالية، ثم ما لبث حزب الأمة أيضاً وبمعية أحزاب المؤتمر السوداني وبعض القوى السياسية المعارضة بالتوقيع على نداء السودان في أديس أبابا مؤخراً.
كل هذه النماذج تشير إلى الخلط المريع والمؤسف فى الواقع ما بين مسارين مختلفين تماماً هما مسار العمل السياسي السلمي، ومسار العمل العسكري المسلح. وتكمن الأزمة في هذا الصدد في أن القوى المسلحة تستمد شجاعتها وجرأتها في عملياتها الموجهة ضد الدولة من واقع شعورها بوجود مؤيدين مفترضين لها من جانب القوى السياسية بالداخل، وهذا من الناحية القانونية يعتبر (مساعدة جنائية) إذ إن القوى السياسية المتحالفة مع هذه القوى المسلحة من الممكن أن توفر لها المعلومات والإرشاد والإسناد السياسي بتبرير جرائمها، وهذا من جانب آخر -وهو الأخطر- يعطي انطباعاً مؤلماً لدى القوات الجيش الحكومي وبقية القوى النظامية بأن هناك قوى سياسية فى الداخل تساند العدو الذي يقاتلها والأدهى من كل ذلك أن القوى السياسية المعارضة هذه تتمتع -قانوناً- بكل ما تتمتع به الأحزاب والمنظمات السياسية من حرية الحركة وحرية الحصول على المعلومة وانتقاد الأوضاع وقيام الندوات والتظاهر، بما يفضي إلى أن القوى المسلحة لديها صوت سياسي بالداخل ومبرر سياسي وإعلامي فى قتالها ضد الدولة.
لكل ذلك فإن أحداً ليس بوسعه إيجاد المبرر الأخلاقي لأي قوة سياسية أو حزب يوقع إتفاقاً أو وثيقة من أي نوع مع أي قوة عسكرية مسلحة تقاتل الدولة، ولن يجدي نفعاً في هذا الصدد القول إن من بين بنود الإعلان وقف إطلاق النار؛ إذ المعروف بداهة أن وقف إطلاق النار يوقع عادة ما بين الطرفين المتقاتلين ويتم ذلك عبر إجراءات عسكرية متعارف عليها وبضمانات معينة ولأهداف معينة.
وعلى ذلك فإن فرضية الجمع بين السياسة والسلاح، واحدة من أخطر الممارسات السياسية التى تهدد الأمن القومي لأي دولة، لأن من الطبيعي أن من يقاتل الدولة إنما يقصد من قتالها إضعافها لمصلحته وهو في سبيل ذلك يستخدم كافة التكتيكات المتاحة أمامه بما في ذلك إحداث خرق في الجبهة الداخلية واختراقها بما يتيح له تحقيق نصر سياسي بأقل تكلفة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق