الثلاثاء، 24 مارس 2015

الانتخابات لن تغلق أبواب التفاوض مع حاملي السلاح

انقضت آجال المجلسين الوطني والولايات بما يعرف بالهيئة التشريعية القومية.. وعاد بعض النواب إلى القرى والدياجر والمدن البعيدة يبحثون عن تفويض جديد يحملهم مرة أخرى للبناية ذات اللون الرمادي وينتظر آخرون في الأرصفة أن يجود عليهم الولاة القادمون.. والنواب المنتخبون في المجالس التشريعية الولائية بالثقة لينوبوا عن تلك الولايات في أهم مؤسسة تشريعية قومية مجلس الولايات.. انقضاء آجال المؤسسات القومية.. وانصراف السياسيين إلى حقولهم يزرعون الكلام ويحصدون الثمار مواقع يتوقون إليها عشية وصباحاً.
هي فترة للمراجعة والتقويم وجرد كشف الحساب لأداء هذه المؤسسات.. فاعليتها.. جدواها.. أخطاءها.. إيجابياتها.. إنجازاتها.. وإخفاقاتها.
مجلس الولايات الذي انتهت دورته الآن.. وينتظر تشكيل المجلس الجديد في يونيو من العام الجاري.. يعتبر وليداً حديثاً أنجبته مستشفيات (نيفاشا) (للولادة) السياسية، حيث لم يعرف من قبل مثل هذه المجالس.. ولكن ما بين 2005م، و2015م، مضت عشر سنوات تبدلت فيها أشياء، وانقسم الوطن إلى وطنين ولكن بقيت هياكل المؤسسات التي أفرزتها (نيفاشا) خاصة التشريعية تؤدي واجبها المنصوص عليه في الدستور الانتقالي المعدل العام قبل الماضي.. وعلى رأس المؤسسة التشريعية والرقابية رجل قليل الكلام زاهد في السلطة بعيد عن الأضواء.. لكنه صاحب رؤية وبصيرة نافذة ومواقف سياسية.. إنه الدكتور "أمبلي العجب" رئيس مجلس الولايات المنتهية ولايته.. تحدث لـ(المجهر) بلغة المراجعات ومنهج المدارسات..وفقه الأولويات..وأفاض في الحديث عن الانتخابات والسلام والتفاوض..ومهمة مجلس الولايات وما ينبغي أن يكون عليه ومطلوبات المرحلة القادمة.. فإلى حديث المراجعات مع رجل من  حقه علينا قراءة ما وراء السطور.. فبعض الحديث باطنه غير ظاهره، وبعض الساسة تكشف ألسنتهم جزء يسيراً من طبيعتهم.. فإلى نص الحديث.
•    د. امبلي انقضت الآن دورة مجلس الولايات وغادر النواب مقاعدهم ونحن في انتظار دورة جديدة.. ولكن كثيرين لا يشعرون بوجود هذا المجلس.
- تقييم الإنسان لتجربته يقدح فيما يقول.. وكل تجربة سياسية وتشريعية يجب أن تخضع للتقييم والتقويم.. ومجلس الولايات كمؤسسة تشريعية ورقابية لا ندعي لها الكمال في الأداء.. ولكن في حدود اختصاصاتها المنصوص عليها في دستور 2005م أدت واجبها في الرقابة والحفاظ على حقوق الولايات من التغول، ولكن التجربة البرلمانية السودانية عمرها يمتد من 1954م، وحتى اليوم.. وتجربة مجلس الولايات أو مجلس الشيوخ كما في بعض البلدان عمرها بدأ في 2005م.
•    ولكن د. أمبلي؟؟
- دعني أكمل حديثي يا أخي ميلاد مجلس الولايات جاء في اللحظات الأخيرة لانفضاض مفاوضات السلام بين الحكومة ومتمردي الحركة الشعبية في نيفاشا.. وافق "علي عثمان" و"جون قرنق" على قيام مجلس الولايات.. وتم الاتفاق على أن تنتخب المجالس التشريعية الولائية من خارج عضويتها عضوين عن كل ولاية لممارسة دور الرقيب والأمين على حقوق الولايات من التغول المركزي.
•    وهل أدى مجلس الولايات مثل هذا الدور وأنت تجلس على كرسي رئاسته؟
- نعم مجلس الولايات أدى دوره في الرقابة على حقوق الولايات ولكن كما ذكرت أن ميلاده في اللحظات الأخيرة لمفاوضات السلام لم يتح للمشروع توسعة صلاحيات المجلس في ما يتصل بالرقابة على النظام الفيدرالي..والحركة الشعبية حينما كانت تفاوض في (نيفاشا) ما كانت تسعى إلا لتحقيق هدفين الأول أن تتمكن من حكم السودان لوحدها من خلال الانتخابات وبالتالي تصميم هياكل سلطة من جهاز تنفيذي وجهاز تشريعي ورقابي يمهد الطريق لتحقيق مقاصدها.. وإن لم يتحقق لها حكم السودان من خلال صناديق الانتخابات فلتذهب بالجنوب نحو الانفصال. هذان الهدفان وضعتهما الحركة نصب عينيها.. وهي تفاوض وتؤسس لدورة هشة.. لذلك جاءت مهام مجلس الولايات قبل التعديلات الدستورية الأخيرة هلامية.
•    ما الجديد الذي جاءت به التعديلات الدستورية حتى يصبح مجلس الولايات فاعلاً؟
- التعديلات التي تم إقرارها مهمة جداً.. أولاً مسألة اختيار الولاة من قبل الرئيس ضرورية جدً لتقويم التجربة بعد أن تنامت العصبية والجهوية في الفترة الأخيرة وعلى صعيد مجلس الولايات مثلاً أصبح الدستور يمثل الولاة أمام المجلس من الرئيس إعفاء أحد الولاة بسبب إخفاقه فإن الرئيس لن يتوانى في تغييره.. وبالدستور الماضي كان الولاة المخفقون لا يمكن تغييرهم إلا بالاستقالة كما حدث في بعض الولايات أو بتغيير خارطة الولاة إلغاء أو إضافة كما هو حال ولايات دارفور وانتخاب الولاة أضفى تعقيدات شديدة على عملية الإصلاح، فالرئيس الذي يفوضه الشعب لحسن إدارة البلاد لمدة (5) سنوات ينبغي له اختيار معاونيه ومساعديه ومنهم الولاة لتنفيذ البرنامج الذي على أساسه انتخب الرئيس.
•    يعني مجلس الولايات في نسخته الجديدة بعد تعديل دستور 2005م، يستطيع إعفاء الولاة؟؟
- لا.. لم أقصد ذلك، قلت إن لمجلس الولايات سلطة حقيقية أصبح لزاماً على الوالي المثول أمام المجلس وتقديم تقارير الأداء، وفي السابق كان مثول الولاة أمام المجلس إن شاء تقدم بطلب لرئيس المجلس من أجل تقديم تقريره وإن لم يشأ فلا سلطان للمجلس عليه أما بالتعديل الجديد فقد أصبح الولاة ملزمين بتقديم تقارير الأداء أمام المجلس ويستطيع رئيس مجلس الولايات تشكيل لجنة من أعضاء المجلس لزيارة الولاية المعنية ولقاء القيادات التشريعية والتنفيذية وتقديم تقرير عن الأداء التنفيذي والتشريعي.
•    قضت التعديلات الدستورية الأخيرة على نظام الحكم اللا مركزي نهائياً وذلك بسلب حقوق المواطنين في اختيار ولاة أمرهم وصبح هو الذي يقرر نيابة عنهم؟؟ هل هناك تجارب عالمية في أي دولة تنتهج الحكم اللا مركزي يتم فيها تعيين الولاة من الرئيس؟؟
- التعديلات الأخيرة اقتضتها الظروف الراهنة التي تعيشها البلاد وفي لقاءات عقدتها مع الإخوة في كينيا وهم ايضاً يطبقون نظاماً شبيهاً بالنظام اللا مركزي السوداني استحسنوا جداً فكرة التعيين من قبل الرئيس المنتخب باعتبار أن الانتخابات قد أدت لديهم لتكوين مراكز قوى داخلية.. ووضعنا بين يديهم التعديلات الدستورية الأخيرة واعتبروها حلاً لقضية إصلاح نظام الحكم اللا مركزي.. وإذا كان هناك من يعتقد أن بالضرورة إجراء انتخابات لاختيار الولاة فإن مؤتمر الحوار المرتقب من شأنه بحث تلك القضية والآن المؤتمر الوطني له اجتهاده الخاص ومن خلال تجربته التي تمتد لأكثر من ثلاثة وعشرين عاماً توصل للصيغة الحالية.
•    ولكن د. امبلي الحوار تعتريه عقبات كبيرة.. ولا نقول قد فشل وبلغ الطريق المسدود؟؟
- الحوار لا يفشل.. ولكن الأحزاب متسرعة النتائج بعض القوى السياسية تعلن جهراً ودون مواربة أنها تتخذ من الحوار أداة أو آلية لإسقاط النظام وأي حوار لا يؤدي للنتائج التي حددتها تلك القوى وهو إسقاط النظام.. يظل حواراً مرفوضاً مهما فعلت الحكومة مثل هؤلاء لهم مواقف مبدئية من الحوار وسقوفات لا يتجاوزونها فكيف يستقيم عقلاً ومنطقاً إجراء حوار مع هؤلاء، أنت تنادي بإسقاطي وتعتبر حتى دعوتي التي أطلقتها من تلقاء مسؤوليتي عن الوطن ورغبتي في إشراك الآخرين ووقف الحرب وحقن الدماء هي ثغرة ينبغي الاستفادة منها لإسقاط النظام، فكيف النجاح للتفاوض مع أمثال هؤلاء؟؟ ثانياً الرئيس ظل في كل خطبه السياسية متمسكاً بالحوار وداعياً إليه دون شروط سوى أن يكون حواراً في الداخل وبثقة السودانيين في أنفسهم ولكن المعارضة ترفض ذلك..
•    عفواً المعارضة لم ترفض الحوار ولكنها تمسكت بضرورة تهيئة مناخ الحوار أولاً بإطلاق حرية التعبير.. ورفع القيود عن الصحافة ووسائل الإعلام وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين؟؟ ووقف الانتخابات وتشكيل حكومة انتقالية؟؟
- هذه قضايا يمكن أن يصبح مجال الاتفاق حولها طاولة المفاوضات وليست شروطاً تمليها المعارضة على الحكومة ثم لماذا تجلس المعارضة في برج عاجي وتفرض شروط المنتصر على حكومة هي المنتصرة دوماً سياسياً ودبلوماسياً ومتقدمة فكرياً على أطروحات المعارضة.. دعني أقول لك إن الدعوة لوقف العملية الانتخابية غير عمليه، فالانتخابات عملية دستورية مهمة جداً حتي لا يحدث فراغ في البلاد.. السلطة مسؤولة عن إجراء الانتخابات في موعدها والأحزاب تعلم جيداً مواقيت الانتخابات، فلماذا لم تعد نفسها لخوضها مبكراً.. وإن كانت لها رأي في قانون تنظيم الانتخابات.
لماذا الإصرار الشديد من الأحزاب علي تأجيل الانتخابات؟؟
-  هذا السؤال ينبغي أن تسأل عنه الأحزاب ولكن بقراءتي الخاصة أن الأحزاب تسعي (لجرجرة) الحكومة إلي شهر أبريل القادم  دون استعداد للانتخابات لتجد الحكومة نفسها أمام مأزق حقيقي.. إما فقدان الشرعية أو أن تذهب هي للأحزاب وتطلب منها تكوين حكومة متفقاً عليها وفي هذه الحالة ستفرض الأحزاب علي الحكومة شروطها.. وحتي لا تدخل البلاد في دوامة من الفوضى وعدم الاستقرار فإن إجراء الانتخابات  في موعدها يمثل حلاً موضوعياً جداً.. والانتخابات لا تغلق أبواب التفاوض ولا توصد مسارب الحوار بين القوي السياسية..
ولكنها ضرورية جداً من أجل إرساء قيم الديمقراطية.
•    لكن أغلب القوي السياسية قاطعت الانتخابات؟؟
-  هل الحزب الشيوعي وحزب الأمة يمثلون أغلبية القوي؟؟ الآن هناك عشرات الأحزاب التي تشارك في الانتخابات وأكثر حزبين هما المؤتمر الوطني والاتحادي الديمقراطي (الأصل) الذي حصل في الانتخابات 1986م، وعلي أصوات أعلي من حزب الأمة، إذن هو أكبر من حزب  الأمة وهناك الحزب الاتحادي الديمقراطي (المسجل) وحركتا التحرير والعدالة بقيادة د. "التجاني سيسي" و"بحر أبو قردة" وأحزاب انشقت من الأمة القومي مثل حزب الأمة الوطني والفيدرالي وحزب الأمة المتحد.. وغيره من الأحزاب والحركة الشعبية جناح السلام.
ويقف مع الحوار حزب المؤتمر الشعبي وحزب الإصلاح الآن وهؤلاء قاطعوا الانتخابات لتقديرات خاصة بهم ولكنهم مع الحوار الوطني وفاعلون جداً في قضية الحوار.
*   الحكومة تلكأت كثيراً في تسوية قضية الحرب في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وكذلك دارفور فهل الانتخابات ستفتح أبواباً مغلقة للتسوية؟؟ أم ستفاقم من الأزمة؟؟.
- الإنقاذ هي الحكومة الوحيدة في تاريخ السودان منذ الاستقلال وحتي اليوم طرقت كل أبواب  السلام وفاوضت كل من حمل السلاح حتي ظن البعض أنها تشجع الناس علي حمل السلاح والتعبير العنيف عن الحقوق.. ولكنها تفاوض بقناعتها وهي أكثر إيماناً بأن مشاكل السودان لن تحل بالبندقية .. فكيف يتم وصفها بالتلكؤ في التفاوض؟؟ منذ انفصال الجنوب قدمت الحكومة تنازلات كبيرة من أجل السلام في المنطقتين لكن الحركة الشعبية قطاع الشمال ترفض السلام وتراهن علي السلاح وتتبني قضايا مناطق أخري لإطالة أمد النزاع.
وتعتريها حالات نشوة بأنها قادرة علي تغيير النظام بقوة السلاح وهي في الحقيقة عن فعل أي شئ.. ورغم ذلك  جلست معها الحكومة في أديس أبابا عدة مرات ولكن الحركة الشعبية  تمادت  في طغيانها.. ورفضت السلام .. والآن الحكومة مستعدة رفض مرجعية  اتفاقية السلام الشامل لتسوية النزاع في جبال النوبة والنيل الأزرق  وكذلك دارفور، فقد وقعت الحكومة علي اتفاقية الدوحة وهي المرجعية الرئيسية لكل القوي التي تحمل السلاح إذا أرادت السلام لشمولية اتفاقية الدوحة ومشاركة كل أهل دارفور في بنود تلك الاتفاقية .
•    الحكومة القادمة هي ستمضي علي خطي الحكومة الحالية؟؟
- الرئيس البشير هو من يقود التغيير والتجديد ولا أجد من هو أهل لقيادة البلاد في المرحلة القادمة غير "البشير" وحتي الأحزاب المعارضة بما في ذلك  حزب الأمة والمؤتمر الشعبي والإصلاح الآن علي اتفاق تام بأن الرئيس "البشير" هو الشخصية المحورية التي يمكن الاتفاق عليها لقيادة البلاد لمدة (5) سنوات قادمة وعندما طرحت قضية التجديد كان الرئيس "البشير" أول من اعتذر عن الترشيح لدورة قادمة ورفض وقاوم ولكن المؤتمر الوطني وعامة المواطنين حملوه قهراً علي قبول التكليف والترشح لدورة قادمة، و"البشير" عرف بالزهد والنقاء.. والتواضع رأي المؤسسات السياسية وخلال فترة رئاستي لمجلس الولايات لم أجد  منه إلا الاحترام والتقدير لذلك هو الشخص المناسب لقيادة السودان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق