الأحد، 15 مارس 2015

الرقابة الدولية للإنتخابات السودانية الثابت والمتحول!

مخافة فشل تكتيك مقاطعة الانتخابات العامة الوشيكة في السودان، بدأ البعض يعيب على العملية الانتخابية إنعدام الجهات الرقابية الخارجية! وهو الأمر الذي اضطر البروفسير مختار الأصم، رئيس المفوضية العامة للانتخابات لتذكير الكافة بأن عملية الرقابة على الانتخابات –من الخارج– ليست شرطاً لصحة العملية الانتخابية.
بروفسير الاصم -رغماً عن ذلك- أورد عدداً من المنظمات الاجنبية التي قال إنها أبدت رغبتها في مراقبة العملية. المنظمات التى أوردها د. الاصم حتى الآن حوالي 15 منظمة من بينها المركز الافريقي لحقوق الانسان، الاتحاد النسائي العالمي، المؤتمر العالمي لمنطقة البحيرات، البرلمان العربي، الاتحاد العربي للعمل، شبكة الانتخابات في العالم العربي، اتحاد الشباب الافريقي، الايقاد، المفوضية الكينية، المحكمة العليا البرازيلية، منظمة السلام والتنمية، وغيرها. وأشار الأصم الى ان الباب مفتوح حتى موعد الاقتراع لقبول المراقبة.
والواقع إن قضية مراقبة الانتخابات ليست في الواقع شرطاً ضرورياً للتأكد من نزاهة العملية الانتخابية هي فقط تعطي شعوراً بأن (كل شيء قد مضي على ما يرام) ولكنها لا تعني على الاطلاق ان العملية نزيهة وغير معيبة، إذ من الممكن ان تجري أي تجاوزات تفوت على هذه المنظمات المراقِبة، فهل يعني ذلك ان العملية كانت نزيهة تماماً؟ كما أن من الممكن أن (تجامل) بعض هذه المنظمات لسبب أو آخر، فهل هذا يعني ان العملية صحيحة؟ ففي استفتاء جنوب السودان في العام 2011 وقعت العديد من التجاوزات التى غض السودان الطرف عنها وغضت المنظمات المراقبة الطرف عنها، فهل هذا كان يعني ان عملية الاستفتاء كانت نزيهة وشفافة في بلد مثل جنوب السودان يصعب تنظيمه وضبطه والتدقيق فيه؟
إن اهتمام البعض اهتماماً فوق العادة واحتفائهم بتقارير المنظمات الاجنبية في أي شأن سياسي يجري فى السودان هو في الحقيقة أقرب الى الاستلاب الثقافي من أي شيء آخر وهذا لا يعني ان (كل المنظمات الاجنبية) ليست لها قيمة، ولكن ليس من الضروري ان تظل كل عملية سياسية أو دستورية تجري في اي بلد يكون فيها (الحكم النهائي) للخبراء الاجانب!
وإذا أدرنا الدقة والموضوعية فإن ميل البعض، خاصة في صفوف المعارضة لإيكال الامور الى الخارج في كل شيء بات أقرب الى العقدة السياسية، فقد رأينا كيف تفضل القوى المعارضة التفاوض والتحاور في العواصم الخارجية وعبر وسيط اجنبي، وما مؤتمر برلين الاخير إلا نموذج مؤسف لمثل هذا السلوك الذي ينم عن (عدم ثقة في النفس) ومحاولة رد الامور كلها الى (قدرات الخارجي وأمانته ونزاهنته)!
لقد ضرب البروفسير الاصم أمثالاً حية وموضوعية بأن الانتخابات العامة التى تجري في الولايات المتحدة وفي اروربا بل وحتى فى الشقيقة مصر لا ترتبط بمراقبة اجنبية ومع كلٍ فإن أحداً لا يمكنه الطعن فيها أو تعييبها لكونها لم تحظ بالمراقبة الخارجية.
إن قوى المعارضة التى (ليست لديها ثقة) فى بني جلدتها وتطمح فى ان تتم مراقبة كل شيء عن طريق القوى الخارجية، فلو كانت حريصة على تنمية الممارسة الديمقراطية في السودان لحرصت أكثر على مراقبة العملية المرتقبة بموضوعية وتجرد ليس لصالحها هي ولا لصالح الوطني خصمها اللدود، ولا لصالح بقية القوى التى قررت خوض العملية، ولكن لصالح استدامة الممارسة وترسيخها.
إن من الغريب ان تقاطع القوى المعارضة عملية ديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لتداول السلطة وفى نفس الوقت تسعى وتتمنى ان تفشل العملية، وحين لا تجد أسباباً قوية لإفشالها تراهن في خاتمة المطاف على ان هذه العملية لا تحظى برقابة دولية!
إن الرقابة الدولية اذا كانت مطلوبة فهي دون شك مطلوبة لتوسيع دائرة المشاركة في مراقبة الممارسة الديمقراطية وفق المعايير الدولية ومعرفة مواطن الخلل ومحاولة تفاديها مستقبلاً، ولكن ما من عاقل يزعم ان عدم مشاركة المنظمات الدولية والاجنبية في المراقبة معناه ان المجتمع الدولي يقاطع العملية أو أنه غير راض عنها أو أنها لن تكون عملية نزيهة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق