الأحد، 22 مارس 2015

وثائق سياسية ظاهرها السياسة وباطنها الحرب!

ربما تكفلت حقائق الواقع وحدها، وبعد طول انتظار بإماطة اللثام عن الأسباب التي دعت الحكومة السودانية لتوجيه اتهامات تقويض النظام لكل من فاروق أبو عيسى وأمين مكي مدني عقب توقيعهما قبل أسابيع على ما عُرف بنداء السودان في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
كان الكثيرون يستكثرون الخطوة القضائية التي ظلت الحكومة تتمسك بها وتصر عليها، وكان اعتقاد هؤلاء وربما ما يزال أنّ هؤلاء لم يفعلوا سوى أنهم وقعوا على وثيقة سياسية مجردة للوصول إلى سلام لصالح استقرار السودان.
وبينما كانت تجري وقائع المحاكمة -والكل ينتظر مآلاتها- إذا بالحقيقة تسطع من قطاع الشمال. فقد أخرج قطاع الشمال وعلى نحو بدا مفاجئ وثيقة أطلق عليها بياناً وأسماها (الحملة العسكرية لنداء السودان)؛ كان واضحاً أن وثيقة نداء السودان لديها معادل موضوعي إسمه (الحملة العسكرية)! حيث تقودها الحركة الشعبية الذراع العسكري وتتكفل بإنتزاع السلطة من الحكومة عن طريق القوة!
كان هذا إذن الدافع الرئيسي للحكومة السودانية لملاحقة الموقعين على النداء قضائياً. وكان هذا -للأسف الشديد- مكمن خوف كل المراقبين المؤيدين للحكومة وغير المؤيدين لها، أن يكون وراء وثيقة نداء السودان عملاً حربياً خفياً! وأن يكون قادة هذه القوى السياسية –للأسف الشديد أيضاً- وقعوا كما في كل مرة أسرى للقوى المسلحة، التي ما فتئت تجرجرهم -لشدة ضعفهم- إلى أحابيلها وتحايُلاتها السياسية، توقع معهم وثائق سياسية ظاهرها السياسة وباطنها الحرب، تخادعهم -وهم ينخدعون لها بسهولة-  وتمنيهم بقرب دفع فاتورة التغيير ثم تورطهم مع خصومها فى السلطة وتطلب منهم دفع فاتورة الوثيقة من جيوبهم الخاصة بالعملة السودانية المحلية!
إن تكرار مثل هذه اللعبات السياسية المستهجنة سياسياً بات من الأمور التي قضت على ما تبقى من مصداقية القوى السياسية وإرادتها السياسية والغريب أن هذه القوى لا تدرك أو تدرك ولكنها لا تريد أن تصدق أن قوى المعارضة المسلحة هذه تستخدمها بهذه الطريقة القذرة كمنديل ورق!
لقد ظل هذا الوضع المزري يتكرر منذ مؤتمر أسمرا للقضايا المصرية في العام 1995 الذي انتزعت فيه الحركة الشعبية حينها(حق تقرير المصير) إنتزاعاً من القوى التي كانت تشكل وقتها التجمع الوطني الديمقراطي. ثم تكرر أيضاً في اجتماع القاهرة 1996م، ثم تكرر في اجتماع جوبا الذي خرجت عنه ما عرفت وقتها بـ(قوى جوبا) ثم ملتقى (كاودا) الذي ولدت منه الجبهة الثورية!
في كل تلك الملتقيات السياسية المصبوغة بصبغة عسكرية كانت القوي المسلحة تتستر بالقوى السياسية، تتدارى بها وهي تعلم أنها إنما تفعل ذلك لأغراض تكتيكية ولكن القوى السياسية لا تعي بذلك. إن وثيقة نداء السودان التي أفرزت الحملة العسكرية هذه أثبتت أن القوى السياسية المعارضة ليست خالية من الوازع والضمير الوطني فحسب ولكنها خالية حتى من شعورها بقضيتها الوطنية ومصالحها الخاصة، فحين يقوم حزب سياسي له وزنه السياسي ومكانته التاريخية بعقد إتفاق مع قوى مسلحة لإسقاط نظام حكم فإن من الطبيعي إن آلية الإسقاط ستكون هي الآلية العسكرية.
ومن الطبيعي أيضاً أن الذي يقود الآلية العسكرية هو القوى المسلحة، ومن الطبيعي أيضاً –بالضرورة– أن من يتحمل تكلفة الحرب ويواجه النار وسوف يكون له القدح المعلى لاحقاً إذا ما نجح المسعى وسقط النظام، ولا يمكن لعاقل أن يتصور أن نجاح القوى المسلحة فى تحقيق هدفهم سوف يتقاسمونه مع شركائهم السياسيين! وهذا ما يجعل من جريمة الجلوس إلى حملة السلاح والاتفاق معهم وتوقيع الوثائق التي يعدونا مسبقاً هي جريمة سياسية سافرة بمعنى الكلمة الخاسر فيها الدولة السودانية والأحزاب التي وقعتها قبل أن تكون جريمة جنائية تصل عقوبتها إلى الإعدام!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق