الأربعاء، 25 مارس 2015

مفارقات وألاعيب السياسة بين لاهاي ونيويورك!

لم يكن غريباً حين لجأت المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية (فاتو بنسودا) قبل أسابيع مضت إلى مجلس الأمن واضعة ملف تحقيقات جرائم حرب دارفور على منضدته تاركة له التصرف فيها بمعرفته، بعد أن قطعت بفشل محكمتها -ولما يجاوز الستة أعوام- في مقاضاة المتهمين!
كان هذا المسلك -على غرابته- بمثابة تجسيد واقعي متوقع لمحكمة جرى إنشاءها كما اتضح لاحقاً لأغراض سياسية الهدف الرئيس منها هو ملاحقة القادة الأفارقة وتطويعها في مضمار التكتيك السياسي والمصالح الدولية! ولذا لما يلفت مسلك المدعية العامة نظر أحد فقد قامت (برد بضاعة مجلس الأمن إليه) وغادرت منصة المنظمة الدولية وهي تجرجر أذيال الخيبة وربما لعنت في سرها ذلكم الموقف الذي وجدت نفسها تقف فيه!
غير أن الأمر المستغرب بعد ذلك وقد كاد الجميع أن ينسى القصة وتفاصليها أنّ الدعية العامة عادت لتطلب مجلس الأمن وتوقظه لكي يقرر في الملف الذي بطرفه! وجه الغرابة هنا يتبدى فى أكثر من نقطة أولها إذا كان مجلس الأمن وفق النظام الأساسي المنشئ للمحكمة في العام 1998 هو الجهة الآمرة بإحالة الأوضاع في دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية -بصرف النظر عن صحة أو خطأ ذلك قانوناً- فما هي الصلاحية المتبقية لمحكمة الجنايات الدولية بعد أن أرجعت الملف للجهة الآمرة بالإحالة لكي تسألها عن ماذا فعلت وماذا قررت؟ ألا تعتبر المحكمة بهذا المسلك وكأنها هي الجهة الآمرة؟
النقطة الثانية إذا كان المحكمة قد قررت إعادة الملف إلى مجلس الأمن نظراً لفشلها في فعل شيء وصعوبة تنفيذ أوامرها فى ظل عدم تمتعها بأي آليات تتيح لها تنفيذ أوامرها وأن إرجاع الملف إلى المجلس (بغرض التصرف)، تُرى من أين استمدت محكمة الجنايات هذه صلاحية (استخدام مجلس الأمن) كآلية لتنفيذ أوامرها. ميثاق روما لا يحوي على نص يقرر أن مجلس الأمن يعتبر آلية من آليات محكمة الجنايات الدولية.
صحيح هو الجهة الآمرة بإمكانها إحالة أي حالة إلى المحكمة، ولكنه لا يعتبر (واحدة من آليات المحكمة) لتنفيذ أوامرها، وحتى لو افترضنا جدلاً أنه آلية من آلياتها فلماذا لم تحيل إليه المحكمة منذ فراغها من تحقيقاتها أوامر التوقيف ليقوم بتنفيذها إبتداءاً؟ كما أننا نتساءل لماذا لم تطلب المدعية العامة حين دفعت بالملف إلى مجلس أن يقوم بتنفيذ أوامرها؟ إذ المعروف أنها (أعادت إليه الملف) لكي يقرر بشأنه باعتباره جهة آمرة بإحالة الأوضاع إليها ولكنها لم تطلب منه أن يتحول إلي آلية لتنفيذ أوامرها! والفارق كما هو واضح شاسع للغاية بين الاثنين.
النقطة الثالثة، أن مجلس الأمن -لسوء الحظ- لا يستطيع من الناحية العملية الإقدام على قرار أو عقوبات من أي نوع بهذا الصدد وسبب ذلك بسيط للغاية -وسوف نرى ذلك وبوضوح- إنّ أي قرار في ِشأن كهذا يتعلق بأوامر محكمة الجنايات سوف يصبح (سابقة دولية خطيرة)، ولا شك أن الولايات المتحدة تدرك في هذه الأثناء تداعيات النزاع القضائي الفلسطيني الإسرائيلي المتفاعل في محكمة الجنايات، وتدرك أيضاً أن هذه السابقة سوف تطارد حليفتها إسرائيل عاجلاً أم آجلاً بما قد يحيق دماراً مدوياً بمصداقية العدالة الجنائية الدولية وهي أصلاً تترنح حالياً ولا تقوى على المسير!
أغلب الظن أن الأمر وثيق الصلة بالضغوط التي تمارس حالياً بشأن الحكومة السودانية قبالة الانتخابات العامة الوشيكة، لا أكثر ولا أقل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق