الأحد، 15 مارس 2015

حوار بالمجان وإعلان باهظ!

قال تحالف المعارضة السودانية -عقب توقعيه على ما بات يُعرف بإعلان برلين- انه طالب الحكومة السودانية بإلغاء الانتخابات العامة، والتراجع عن التعديلات الدستورية. وحشدَ عباراته الرنانة المعهودة فى إعلانه المذكور وبدت على وجوه قادة التحالف وهم يشعرون انهم قد فرغوا من انجازهم السياسي والتاريخي، قدر من الارتياح الذي عادة ما يبدو كذلك عقب كل بيان او اعلان او نداء من شاكلة تلك الوثائق التى اصبحت تملأ صفحات الصحف في يومها الأول ثم ما تلبث ان تصبح (تاريخاً) في مقبل الايام.
وكل هذه الامور بالطبع لم تعد تستثير الخيال السياسي لدى أحد لأن غالب المراقبين لديهم حدس لا يخطئ ان الأمر لا يعدو كونه (فعل ذات الشيء بذات الطريقة مع توقع نتائج مختلفة). غير أنَّ عبارة وردت فى ثنايا مطالب قوى المعارضة بدت فى غير سياقها العهود واستوقفت العديد من المراقبين. العبارة تمثلت فى قول قوى المعارضة (لن نذهب الى الحوار مع الحكومة بالمجان)!
ولا شك ان الذين وضعوا هذه العبارة قصدوا أمر ما، لكن إدارك هذا المقصد المريب بدا هو الآخر عصياً على الافهام. على سبيل المثال فإن حزب البعث والحزب الاشتراكي الناصري وهما الاكثر معارضة للاعلان، فهموا العبارة بأن مقصد قوى المعارضة هو (وضع مدخل لعقد صفقة او تسوية مع الحكومة). فإذا كان حزب البعث والحزب الناصري (رفقاء نضال) لهذه القوى ولديهم إدراك عميق بطريقة تفكير رصفائهم في بقية القوى التى يتكون منها التحالف المعارض، فإن تفسيرهم للعبارة ربما استند على هذه المعرفة اللصيقة والادراك القريب العميق، ففي العمل السياسي فإن (معرفة ما يدور فى الاذهان من خلال العبارات والجمل المكتوبة) أمر معروف وأقرب فى كثير من الاحيان الى المنطق.
غير أن هناك أيضاً من يعتقد أن قوى المعارضة لا تعني التسوية او الصفقة وإنما تعني أنها لن تذهب الى الحوار قبل ان تتحقق من شروطها ولكن ما يهدم هذا التفسير هدماً تاماً، ان مائدة الحوار في الواقع هي المكان الأوحد المتاح للمطالبة بتحقيق ما تطلبه المعارضة، فلماذا تقاعست عن المشاركة فى الحوار وتخلت عن عرض مطالبها داخل قاعة الحوار على مائدته؟ بل لماذا لم تجتمع منذ البداية على الترحيب بالحوار وتضع مطالبها حالما يتم ذلك في مائدة الحوار؟ فالمجانية هنا لا تعني بحال من الاحوال ان تقبض شروطك أولاً كاملة غير منقوصة ثم تذهب الى الحوار! فإذا كان الامر يمضي على هذا النحو فما الحكمة أصلاً من الحوار وما الداعي له؟
هناك تفسير ثالث يصعب استبعاده أيضاً ان واضعي العبارة قصدوا الحصول على (تعويضات مالية سابقة)! قد يعتقد البعض ان فى هذا التفسير سذاجة وسطحية ولكن ما يعزز هذه الفرضية ان بعض القوى التى شاركت فى اعلان برلين لديها هاجس بشأن (التمويل المالي) لأحزابها وتعتقد ان الحزب الحاكم عليه دعمها وتعويضها!
وهكذا فإن الامر بدا غريباً للغاية إذ انه ومهما كانت طبيعة تفسير هذا النص المستغرب فهو يشي بأن قوى المعارضة على اية حال وحين جلست لإعداد الاعلان فوجئت تماماً بأنها لا تملك منطقاً كافياً لمخاطبة الأزمة، ولكن الامر كان يفرض عليها ان تصيغ إعلانها السياسي كيفما أتفق!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق