الأحد، 15 مارس 2015

مآلات الحراك الانتخابي الحالي في السودان

لم ينتبه الكثيرون للمؤشرات السياسية والتاريخية البالغة الاهمية للحراك الانتخابي الجاري حالياً في السودان. الكثيرون ممن سيطرت عليه التجاذبات السياسية بين الحكومة والمعارضة ينظرون الى الأمر من زاوية قريبة للغاية لا تتجاوز حالة الانقسام السياسي والاحتقان الحاد، وآخرون ينتظرون انتفاضة سياسية طالما ظلت تعدهم بها قوى المعارضة دون ان تمتلك عناصرها ولا تدري كيفيتها وتاريخها ونتائجها.
حملة السلاح من جانبهم يراهنون على سلاحهم رغم ثبوت استحالة ان يحقق السلاح ما تحققه طاولة التفاوض. ولكن القليلين هم الذين ينظرون الآن الى وجهة اخرى مغايرة تماماً. وجهة استراتيجية غالباً ما تأتي بها منعطفات التاريخ الحادة التى نراها عادية وعابرة.
إن المشهد القائم الآن في السودان هو مشهد فيه كل عناصر المستقبل القريب والبعيد والانتخابات الجاري إجرائها حالياً في السودان تضنع لنا هذه المؤشرات المهمة بوضوح ولكن قل من يلاحظ و ينتبه. وإذا جاز لنا استخلاص مآلات الحراك الحالي فإن بإمكاننا ملاحظة الآتي:
أولاً، ان القوى السياسية السودانية التقليدية المعروفة والتى ظلت هل التى تتسيد الملعب السياسي السوداني منذ عقود خلت -حكماً ومعارضة- في طريقها الى الزوال المحتوم فأحزاب الامة والاتحادي كما نراها ونشهدها لم تعد كما كانت في السابق سواء من حيث القيادات او الاطروحات او المواقف.
حزب الامة خرج بدرجة كبيرة من الوعاء العائلي ولم يعد من الممكن رهن الحزب لطائفة الانصار. ربما يبدو للبعض ان هذا في حكم المستحيل، لكن من الواضح ان هناك الآن أكثر من أحزاب تحمل نفس الاسم، وتضم قيادات معروفة كانت في الحزب الأم؛ كما ان الامة القومي الذي يتزعمه الصادق المهدي لم يعد ممكناً ان يستمر كما كان في بيت المهدي. صحيح ان ابناء المهدي ظلوا حاضرين ولكن الحزب بذات زخمه القديم مضى الى غير ورجعة إذ ان هنالك أحزباً –من ذات الحرب- نظيرة له وموازية لأطروحاته.
الطائفة لم تعد تؤثر في وجود احزاب الامة وهذا ما يفضي في خاتمة المطاف الى ان يتحول الأمة القومي -بعد عامين أو ثلاث- الى حزب صغير داخل بيت السيد الصادق المهدي لا يتجاوز تأثيره النطاق الجغرافي في أم درمان!
الحزب الاتحادي الاصل بزعامة الميرغني، حدث فيه نفس الامر مع اختلاف طفيف ان القيادة الروحية للحزب -السجادة الختمية- هي التى تسعى الآن لتنظيف الحزب من الشوائب الوافدة من أيدلوجيات أخرى. الاتحادي في طريقه الى صنع حزب وسطي حقيقي غير مثقل بكل ذاك الكم الهائل من الاعضاء والقيادات الذين لا تجمعهم فكرة سوى فكرة الاستفادة من وسطية الحزب لصالح الاجندة الخاصة. الاتحادي سوف يتحول الى مجموعات صغيرة متماثلة ولكنها ليست متوافقه.
ثانياً، بالمقابل هناك احزاب دخلت المضمار السياسي حديثاً ورغم استهانة البعض بها، إلا انها -بالمران والتجربة- سوف تتحول الى خيارات وبدائل جادة في الساحة السياسية. الحقيقة الفدرالي مثلاً؛ إذ أنَّ كثيرون لا يبالون بالثقل الجماهيري لهذا الحزب سواء عن جهل او لأغراض الاستهانة السياسية.
ثالثاً، القوى التى تخوض العملية الانتخابية حالياً مهما استهانت بها بعض القوى المعارضة، وهي قوى صاعدة من المنتظر ان تملأ الفراغ بسرعة فقد سئم الملعب السياسي السوداني لعبة الاحزاب المترهلة الكبيرة. وسئم لعبة الاحزاب الطائفية (ونحن في الالفية الثالثة) وسئم لعبات اليسار المتناقض مع نفسه ومع أطروحاته ومع الواقع، والسودانيون حين يضيقون ذرعاً بأمر من الامور فإن أحداً ليس بإمكانه اقناعهم به. ولا يعدو إلتفاف غالب المواطنين السودانيين حول الوطني إلا لأنّ لديه تجربة على اية لا واستطاع -رغم كل شيء- ان يشق طريقه وسط تحديات صعبة، وهو ما يجعل من رفض الناخب السوداني للآخرين لأنهم على الاقل لم يبلغوا مرحلة الاداء السياسي والتنفيذي للوطني وفق تجربته والسودانيون ليسوا على استعداد للبحث عن بديل ليبدأ التجربة من بدايتها.
رابعاً، ان حملة السلاح ليسوا في حساب الناخب السوداني ففضلاً عن أنهم لا يملكون مفاتيح لقضايا البلاد وخاليي الوفاض من الحلول، فهم رهنوا المشاكل الخاصة بالبلاد للأجانب بالخارج. إذن نحن امام منعطف تاريخي في السودان تتشكل فيه الآن خارطة حديثة كلية حتى ولو أنكرها البعض ظناً منه أنها غير حقيقية ولكن تلك هي زوايا التاريخ الحادة فهي تبدو للكل غير قابلة للتصديق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق