الأحد، 22 مارس 2015

الخصومة السياسية والوازع الوطني!

ما تزال العديد من قوى المعارضة السودانية تخلط -عن عمد أو عن جهل- ما بين خصومتها السياسية الخاصة تجاه السلطة الحاكمة، وما بين استهدافها المؤسف لركائز الدولة السودانية. من حق المعارضة –أية معارضة– أن تنازل خصومها في السلطة بالوسائل والآليات السياسية في حدود القوانين بصرف النظر عن اعترافها بتلك القوانين أم قدحها فيها، لأن القانون حتى ولو لم يكن عادلاً، فهو في مثل هذه الحالة مجموعة القواعد المنظمة لدولاب الحياة في الدولة ويتأثر بها المواطنين، فإذا ما كان لدى القوى السياسية هذه أدنى حرص على عدم المساس بحياة المواطنين والمحافظة على استقرارها فإن عليها أن تحترم تلك القوانين أو أن تسعى سلمياً وسياسياً إلى تعديلها.
ولعل الغريب حقاً في موقف قوى المعارضة من العملية الانتخابية الوشيكة الآن في السودان أن هذه القوى، أولاً: لا تستطيع الطعن في الدستور الانتقالي 2005 الذي شاركت في وضعه مشاركة فاعلة عقب اتفاقية السلام الشاملة الموقعة فى نيفاشا 2005، فهو دستور شارك فيه الكل نصوصاً وروحاً ولا يوجد حتى الآن أفضل منه كما لا يوجد مطعن فيه.
وقد نص الدستور على أجل الحكومات وحدد لها توقيتاً ومن ثم فإن مجرد المطالبة بتأجيل الانتخابات -رغم وجود نصد دستوري صريح- لا يمكن اعتباره مطلباً سياسياً معقولاً. لقد كان من الممكن والمشروع مثلاً إذا ما انعقد الحوار الوطني بحضور الكل أن يكون تأجيل الانتخابات العامة واحداً من مخرجاته إذا ما جرى تراضي وطني محترم حول ذلك.
وقد كان من الممكن أيضاً تأجيل الانتخابات العامة إذا ما انعقد الحوار ثم اتضح الحاجة إلى المزيد منه ولم يستكمل بعد، فتكون عملية التأجيل لأغراض استكمال الحوار. أما أن يطلق مطلب التأجيل هكذا فقط لمجرد الرغبة، فهذا لعمري أمر مستغرب مهما كان الداعي.
ثانياً: قوانين الأحزاب وقانون الانتخابات العامة والقواعد التي تتم بها العملية بكاملها هي الأخرى ليست محل لنقد أحد من قوى المعارضة. فهم شاركوا في صنعها ولم يطعن أحد في عدم دستورية نص من نصوصها فلماذا إذن يتم رفضها؟
ثالثاً: مفوضية الانتخابات العامة هي الأخرى من مقترحات القوى السياسية المعارضة، وقد ثبت على وجه قاطع أن رئيس المفوضية د. ختار الأصم جاء بناءً على ترشيح حزب الأمة القومي بزعامة المهدي وبمباركة بقية القوى السياسية المعارضة وهي حقيقة لم ينكرها أحد من جانب قوى المعارضة، لماذا إذن لا يريدون المفوضية وباتوا يمتعضون منها؟
رابعاً: حتى على فرض أن كل تلك الأمور ظهرت لاحقاً بشأنها مثالب، الدستور، قانون الانتخابات، المفوضية؛ أما كان الأجدى الاكتفاء فقط بمقاطعة العملية -بهدوء وبمنتهى العقل- انتظاراً للدورة القادمة في العام 2020م؟ هل من الضروري في اللعبة السياسية -باعتبارها عملاً مستداماً- أن يتم كل شيء الآن في هذه اللحظة وألاّ ينهار كل شيء ويهدم المعبد؟
إن الأزمة الحالية بشأن الانتخابات العامة حالياً في السودان هي في الواقع أزمة صنعتها المعارضة دون ادني حد من المنطق السياسي القويم. قوى المعارضة تحاول الآن تعريض السودان إلى نفق مماثل لتلك التي تجري في بعض البلدان الإفريقية المختلفة تماماً عن السودان، وهذا ما يجعل من هذه القوى غارقة في الخلط ما بين خصومتها السياسية التي ينبغي أن تكون شريفة تجاه الحكومة وما بين عبثها بالدولة السودانية واستقرارها وأمنها القومي.
إذا كانت قوى المعارضة حتى الآن غير واعية ولا مدركة بهذا الأمر فهذه مصيبة وإذا كانت على علم ووعي بها فالمصيبة أكبر!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق