الثلاثاء، 17 مارس 2015

ورطة المفصولين من الاتحادي الأصل!

الضجة التى أثيرت وما تزال تُثار بشأن القرار الصاعق الذي اتخذته اللجنة القانونية بالحزب الاتحادي الاصل بزعامة السيد محمد عثمان الميرغني بفصل عدد مقدر ممن يُقال إنهم (قادة تاريخيين) فى الحزب تبدو ضجة فى غير مكانها. صحيح ان القرار ربما بدا غير مسبوق ووجد المفصولين صعوبة بالغة فى استيعابه.
وصحيح أيضاً إن زعيم الحزب الذي ما يزال بالخارج التزم الصمت ساعة بروز تداعيات القرار بما يشي بأنه تمت مشاورته قبل صدوره وأنه ربما وافق عليه، أو تُركَ له (باباً موارباً) ليتدخل لاحقاً في الوقت المناسب. نحن هنا لسنا بصدد الغوص فى لجة القرار وتوصيفه وتوقيته وسائر الأمور التى انشغل بها بعض المحللين أنفسهم؛ الذي يهمنا هو أن الحزب الاتحادي الاصل بات كمن يواجه حقيقة نفسه وتكوينه، وماضيه وحاضره بأكثر من أي شيء آخر كيف ذلك؟ أولاً: الحزب قائم أساساً على الطائفة، وليس بوسع أحد ممن ينكرون على قيادة الحزب إتخاذ مثل هذا القرار أن ينكر ذلك.
ومن الطبيعي بل ومن المحتم ان حزب قام أساساً على (فكرة الطائفة) وتقوده الطائفة (السجادة الختمية) فهو حزب يفتقر الى الدعامة الديمقراطية. ربما كانت هذه النتيجة -على بداهتها- صعبة الاحتمال على البعض ولكنها على اية حال هي الحقيقة المجردة. وعلى ذلك فإن حزب لا يقوم على اساس ديمقراطي أو على فكرة بعينها فليس من المنطق في شيء محاولة محاكمته بقواعد الديمقراطية، فهذا بمثابة ظلم للحزب وقيادته وتاريخه وظلم لقواعد الديمقراطية وهذا ما يجعل من القادة المفصولين المتباكين على الديمقراطية والمؤسسية يذرفون دموعاً لا قيمة لها على الإطلاق، فهم ورغم خلفيتهم العلمية ووعيهم السياسي ارتضوا إبتداءاً ان يكونوا اعضاء فى حزب قائم على الطائفة وفشلوا -جميعاً وبلا استثناء- في تطوير الحزب والسعي لإقامة المؤتمر العام منذ العام 1967م! فما هي فائدة البكاء والدموع وملء الساحة ضجيجاً وعواء؟
ثانياً: قيادة الحزب ومهما كانت تداعيات القرار ومثالبه ليست فى حاجة البتة لهؤلاء القادة المفصولين. بإمكان قيادة الحزب (توليف) قيادة جديدة متجانسة ومتناسقة وسلسلة الانقياد لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة والمستقبل. وبالمقابل فإن القادة المفصولين -ومهما فعلوا- ليس بإمكانهم مطلقاً تكوين حزب جديد موازي يضاهي الحزب الأصل كما ليس بمقدورهم فرض مواقفهم وقراراتهم على قيادة الحزب، كما ليسوا قادرين على إحداث عملية تحول و(انقلاب مضاد) في الحزب بحيث تدين لهم القيادة الطائفية للحزب ويصبحوا هم القيادة الحقيقية للحزب!
إن إمكانية إحداث نقلة ديمقراطية حديثة فى الحزب أو حتى المحافظة على الإرث القديم بما كان عليه قبل قرار الفصل الاخير أمر في حكم المستحيل، إذ ليس من المتصور ان تكون القيادة الروحية للحزب غير مدركة لما تفعله، كما ليس من المتصور ان يسجل التاريخ -ولو لمرة واحدة- ان القيادة الروحية أخطأت وعليها أن تتراجع!
ثالثاً: استغناء القيادة الروحية للحزب باعتبارها القيادة الحقيقية (القابضة) عن المفصولين لا شك انه ليس مجرد (عقاب) تنظيمي فحسب، ومن المؤكد انه قرار تاريخي قصد به التأسيس لمرحلة جديدة كلية، وهذا واضح تماماً من خلال البرود السياسي الثلجي الذي صدر به القرار والارتياح الظاهر لدى الخليفة المحتمَل لزعيم الحزب السيد الحسن الميرغني.
من الواضح ان قيادة الحزب الروحية حتى ولو كان في حساباتها للمرحلة المقبلة عقد مؤتمر عام برؤى جديدة للحزب فهي تريد قيادة أميل للنعومة، أقرب للسلاسة. لا تريد قادة قدامى كل زادهم رفض تكتيكات الحزب والاستمساك بالمواقف التاريخية. وعلى ذلك فإن قرار الفصل فى الواقع هو بمثابة تأسيس لحزب اتحادي جديد، بقادة جدد بأفكار جديدة تنحو بإتجاه التخلص من (بقايا اليسار) والذين لوجوا ساحة الحزب لمّا وجدوها من سانحة للعمل المسنود بأطروحات وسطية و شعارات سودانية. قيادة الحزب الروحية ربما أرادت (تنظيف السجادة الختمية من بعض ما علق بها)!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق