الاثنين، 23 مارس 2015

لماذا فعلت قيادة الاتحادي الأصل ما فعلت؟

ربما كان من المسلمات السياسية التي عُرفت عن الحزب الاتحادي الأصل بزعامة الميرغني أنه حزب قابل لاستيعاب الكل بلا تحفظات ودون أدنى مقدمات. الأحزاب ذات الخلفية العقائدية (يميناً ويساراً) في العادة لا تتيح للآخرين الالتحاق بها بسهولة، فهي بحكم قواعد الانضباط التنظيمي والايدولوجيا تضع اشتراطات، وتجري عملية تحقُق وتمحيص وتحرص على استيفاء العديد من هذه الاشتراطات وفوق ذلك تحرص حرص بالغ على بناء كوادرها السياسية وتدريبها وتتعهدها بالمران والتجارب، وقياس الخبرات؛ ولهذا فقد اشتهرت هذه الأحزاب بكوادرها المدربة (الموثوق بها) والحائزة على الخبرات المتنوعة، الأمر الذي جعلها محط اهتمام الآخرين على مر التاريخ.
الحزب الاتحادي وعلى الرغم من انه يصف نفسه بحزب الحركة الوطنية وربما كان محقاً في ذلك باعتباره أحد شهود استقلال السودان وكان فاعلاً في انجاز هذا الاستقلال عام 1956، إلا أن واحدة من أكبر وأخطر مثالبه التنظيمية، انه لم يقم على فكرة مركزية عميقة. كما أن الآخرين من أي حزب كانوا باستطاعتهم دخول كافة المنشآت التنظيمية للحزب وتسنُم أرفع المناصب فيه دون الحاجة إلى استناد على تجربة أو فكرة أو خبرة، وهذه النقطة على وجه الخصوص ليست سالبة على إطلاقها، فهي أتاحت للكثيرين أن يعلموا داخل الحزب من واقع ما توفر لديهم من خبرة سياسية وإخلاص وطني نابع من دواخلهم؛ كما أنها أعطت الحزب صفة (الوسطية السياسية) في السودان الذي تذخر الساحة فيه باليمين واليسار، ولكن الوجه السالب لهذا الأمر أنها -للأسف- أتاحت لبعض كوارد اليسار تحديداً ركوب موجة الحزب، وذلك بغية الاستفادة من (وسطيته) وبغية استغلال القبول السياسي العريض للحزب القريب من وجدان السودانيين لتحقيق غايات سياسية عجزت كوادر اليسار هذه عن تحقيقها عبر أحزابها المعروفة!
هناك المئات وليس العشرات من قادة الحزب الاتحادي ممن يعملون لصالح أيدلوجيتهم الحقيقية مستفيدين من (غطاء الحزب) وهذه مسلمة معروفة لا حاجة لنا هنا إيراد شواهد عليها، ولا جديد بشأنها، ولكن من المؤكد أن الجديد في الأمر أن (القيادة المحتملة) للحزب الاتحاد والمتمثلة في نجل الزعيم، السيد الحسن الميرغني ربما أراد (تنقية الحزب) تنقية حقيقية بحيث يظل الحزب وسطياً، القرار فيه لقيادة الحزب تماماً كما كان الأمر في السابق، بغض النظر عن جدلية اليسار واليمين.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن من الصعب، بل ومن المستحيل تماماً أن تدع قيادة الحزب الروحية، قادة سياسيين -حتى ولو كانوا تاريخيين- يحققون توجهاتهم السياسية على حساب قيادة الحزب. بمعنى أدق فإن الذي (يغوص) في الحزب الاتحادي الأصل لتحقيق غايات سياسية بعينها لا يمكنه أن (يستغل) قيادة الحزب نفسها في هذا الصدد، كما ليس من حقه على الإطلاق الاحتجاج بأن (أمره قد انكشف) وأن على قيادة الحزب أن تتراجع عن كشف أمره، وأن تسدل عليه الغطاء!
وعليه وسواء صح قرار الفصل أم لم يصح -وفقاً للقواعد الديمقراطية- فإن الأمر الذي لا جدال بشأنه أن الحزب الاتحادي الأصل إنما يمارس حقه الطبيعي في غربلة نفسه وإعادة تنظيم هياكله وقواعده وهو حين يفعل ذلك إنما يفعله من واقع حسابات قياداته ونظرتها للحاضر والمستقبل مع يقين قاطع من هذه القيادة التي لا ينقصها الذكاء الحاد أن المفصولين لا يملكون خيار إنشاء حزب جديد، وفي ذات الوقت لا يكون خيار (إرجاع أنفسهم) والسيطرة على مقاليد الأمور في الحزب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق