الخميس، 26 مارس 2015

بيان قطاع الشمال الأخير.. المذكرة التفسيرية الأبلغ لنداء السودان!

من الوجهة القانونية فإن من المؤكد أن البيان الذي أصدره ما يسمى بقطاع الشمال مؤخراً والذي تحدث بوضوح عن ما أسماها (الحملة العسكرية لنداء السودان) بما يشي بأن نداء السودان الموقع في أسمرا في فبراير الماضي لديه (ذراع عسكرية) واستحقاقات قتالية على الأرض؛ من المؤكد أن يفضي هذا البيان إلى آثار قانونية سالبة بالنسبة للموقف القانوني لكل من المتهمَين فاروق أبو عيسى، وأمين مكي مدني ضمن إطار المحاكمة الجارية وقائعها حالياً.
ولكن ورغماً عن ذلك فإننا لسنا هنا بصدد الغوص في هذا الجانب ذي الأبعاد القانونية تحاشياً لأي تأثير على سير العدالة، ولكن من الناحية السياسية فإن البيان الصاعق هذا أفضى عملياً إلى عدة نتائج كارثية يصعب تداركها من قبل القادة السياسيين الذين وقعوا على النداء الشهير.
فمن جهة أولى فإن البيان أفصح بصفة واضحة وقاطعة عن حقيقة الوثيقة الموقعة في أديس، فهي ليست مجرد نداء سياسي (بريء) بين حملة سلاح وقادة سياسيين من أحزاب سياسية معارضة، ولكنها (خطة متكاملة) ذات شق سياسي وشق عسكري بدليل أن قطاع الشمال أعلن عبر بيانه هذا رسمياً عن بداية الحملة العسكرية لنداء السودان! ما من حاجة بعد ذلك وجرياً على القاعدة الأصولية المعروفة (لا اجتهاد مع النص) للمحاججة بأي حجج زئبقية أخرى. ما جرى في أديس أبابا كان خطة لإسقاط الدولة السودانية عبر مسارين سياسي وعسكري.
ومن جهة ثانية فإن سوء توقيت إخراج البيان (حيث تجري محاكمة أبو عيسى ومدني) وما قد يسببه -أو ربما سببه بالفعل- من تعميق لجراح هؤلاء الموقوفين وتأكيد على أنهما (سعيا لتقويض النظام الدستوري للبلاد) كما تشير صحيفة الاتهام، يُستشف منه على أحسن الفروض أن قادة قطاع الشمال يهدفون بهذا الصنيع لأحد هدفين: إما أنهم يسعون لتوريط الرجلين الموقوفين قضائياً، والتخلص منهما، سواء لكونهما طاعنين في السن ولا يُرجى منهما في المستقبل شي؛ أو الإفتراض القائل إن توقيت البيان قصد (إحراج الكل) بالإعلان عن (عمل عسكري) موازي للعمل السياسي يضع كل قادة المعارضة -علموا أم لم يعلموا- أمام فرضية الأمر الواقع! 
ومن جهة ثالثة: فإن البيان أعطى تفسيراً عن سر إحجام بعض قوى المعارضة عن تأييد نداء السودان في حينه فلربما كان لدى هؤلاء (علم) بحقيقة ما يُحاك والمخاطر الجمة التي من الممكن أن تترتب على ذلك والتكلفة السياسية الباهظة للأمر في مجمله! وعلى أية حال فإن الدرس البالغ في مثل هذه الملابسات التي ما فتئت تتكرر بإستمرار أن القوى المسلحة ومهما أبدت من مشاعر و ود تجاه القوى السياسية المعارضة، فهي لا تراهن مطلقاً على أن تتشارك معها لاحقاً أية ثمار سياسية يمكن أن تجنيها عبر استخدامها للسلاح!
في الغالب تقوم هذه القوى المسلحة -وهذا تكرر كثيراً جدا- باستخدام القوى السياسية كورق سلوفان تغطي به (فوهة البندقية ومقبضها) إلى حين المرور من (نقاط التفتيش)! في أحيان كثيرة تقع العديد من القوى السياسية –مهما كانت عراقتها– في حبائل القوى المسلحة، وهي تدري أو لا تدري أن هذه القوى المسلحة في قرارة نفسها تعتبرها عدواً شأنها شأن العدو الرئيسي، وليس سراً في هذا الصدد أن الحركات الدارفورية المسلحة وقطاع الشمال الذين تجمعهم الجبهة الثورية لديهم منفستو سياسي (سري وعلني) عن ضرورة التخلص من كافة القوى السياسية -حاكمة ومعارضة- حالما تدين لهم الأمور! وربما كانت في طيات هذا البيان المفجع، بعضاً من سطور ذلكم المنفستو!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق