الأربعاء، 19 أغسطس 2015

فاقدوا الحوار لا يعطونه!

تتوجه سهام النقد الحادة هذه الأيام تلقاء حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور الترابي. الشيء الغريب في هذه الانتقادات أنها موجهة -حصرياً- من القوى الحزبية المعارضة التى كانت تعرف في الماضي القريب بقوى الاجماع الوطني والتى كان الشعبي جزء منها وسداها.
والأكثر غرابة أن من منطق النقد الموجه للشعبي -الذي لم يفعل اكثر من كونه انحاز لمشروع الحوار الوطني- ان الحزب اتخذ لنفسه طريقاً سياسياً مخالفاً لقوى الاجماع وإرتضى الدخول في عملية الحوار من طرحها قبل عام ونيف وظل متمسكاً بها طوال هذه المدة وداعياً اليها.
ولا شك أن الهجوم الموجه للشعبي، وبعيداً جداً عن المكايدات السياسية وشعابها المتقاطعة في الساحة السياسية السودانية يعكس بوضح وبأسف بالغ سوء التقدير السياسي وسوء التعامل مع القضايا السياسية من قبل قوى سودانية معارضة ظلت وما تزال تعرض نفسها كبديل سياسي جاهز للحزب الحاكم! أولاً، لندع الشعبي ومواقفه ولتقديراته الخاصة وفقاً لمصالحه إذ لسنا معنيين بها بحال من الأحوال، ما هي العيوب الخلقية -اذا جاز التعبير- لمشروع الحوار الوطني التي تجعل هذه القوى ترفض التعامل معه؟
ما الذي يريده ويتمناه أي سياسي خرج للسوق السياسي أكثر من ان يجالس الآخرين ويطرح رؤيته ويجادل بشأنها ويسعى لإقناع الآخرين بها؟ هل السياسة هي الحصول على (كل شيء) من(منازلهم) و (مجاناً) وحسب التمنيات والرغبات؟ إن مائدة الحوار الوطني هي المائدة الوحيدة التي تتيح للساسة –كل حسب قدراته– المساهمة في بناء الدولة الديمقراطية.
ثانياً، هب أن تحالف المعارضة فشل في توحيد موقفه، ومن ثم بات معرّضاً للانهيار بسبب خلاف اعضائه ايهما أفضل؟ الاصرار على تباعد المواقف وترك السانحة التاريخية تروح هدراً، أم محاولة تجاوز الخلافات والاتفاق على دخول الحوار ولو من قبيل التجربة واختبار مصداقية الأطراف؟ ليس ذلك فحسب، فحتى لو كان وقوف الشعبي -وهو الاقدر على إيضاحه- مخالفاً لما أجمع عليه التحالف، فإن من الحصافة ان تتم عملية توافق داخل التحالف فقط لمجرد الظهور بمظهر موحد خدمة لقضية وطنية تاريخية قلما يجود بها الزمان.
ثالثاً، كيف لهذه القوى المعارضة التى تتفهم -بقدر من المرونة- مواقف بعضها ان تتفهم مواقف الاطراف الاخرى داخل قائمة الحوار؟ إن موقف القوى المعارضة التى  تهدر الآن وتعبث كما يعبث الصغار بالأشياء (الثمينة) يؤكد ان هذه القوى اخرجت نفسها بكامل إرادتها من مضمار القيام بالواجبات الوطنية الهامة التي لا تنتظر. وإذا كانت هذه القوى -حتى هذه اللحظة- تراهن على سقوط مفاجئ عبر انتفاضة أو عمل مسلح للسلطة الحاكمة في الوقت الذي منحتها الظروف تغيراً سلمياً بإسهامها ومشاركتها فهي بلا شك تنتظر ان تتدحرج الثمار من عليائها لتسقط -بكل سهولة ويسر- داخل فمها وهو المستحيل بعينه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق