الأربعاء، 26 أغسطس 2015

مناوي وحكومة طبرق.. عدم أخذ العظة من التاريخ!

لم يكن غريباً أن تلجأ حركة مناوي بعد فراغها من عملها المسلح في دولة جنوب السودان إلى نشاء (إسم عمل) جديد لها في الجارة ليبيا للعمل في ذات المجال الذي بات يستهويها تماماً، فقد سبقتها في هذا المضمار حركة العدل والمساواة في عهد القذافي. ومناوي لسبب غير واضح بات في الآونة الأخيرة يقلد ويقتفي أثر حركة العدل، ربما لأن الرجل خاوي الوفاض من الرؤى  والأفكار، أو ربما أدرك الرجل أن مضمار المقاولات الحربية أكثر ربحاً من غيره كونه يتيح لحركته أموالاً وعتاداً حربياً، وينأى به عن ضربات قوات الدعم السريع الموجعة التي فعلت الأفاعيل بحركة جبريل إبراهيم وجعلت منها عبر لمن يعتبر.
لهذا كله قلنا إن من غير المستغرب أن يلجأ مناوي إلى ليبيا، ولكن الغريب أن يغامر البعض في الجارة ليبيا بمثل هذا العمل الأخرق، إذ أن المفارقة هنا أن نظام القذافي الذي تهاوى كما تتهاوى أصنام الشمع تحت ضربات قوى الثورة الشعبية الليبية وجرب ذات هذه التجربة، قدم دعماً غير محدود للحركات الدارفورية المسلحة واستخدم بعضها -بجرأة واضحة- لقمع الثورة الليبية واصطياد قادتها، ولكنه كما كان متوقعاً لم ينجح في إبقاء نظامه على قيد الحياة، بل فارق هو نفسه الحياة في خاتمة غير قابلة للوصف.
لقد كان وما يزال الظن أن الجميع في الشقيقة ليبيا حينما قادوا الثورة ضد نظام القذافي كانوا يثورون ضد ممارسته الخاطئة وتصرفاته الطائشة، ومن المؤكد أن هؤلاء الثوار -وربما نسوا الآن أو تناسوا- ما كانوا لينجزوا مشروعهم الثوري هذا بالإطاحة بنظام القذافي لو لم يقف السودان داعماً لهم! فكيف بلغ ببعضهم الجحود لدرجة مقابلة الإحسان بالإيذاء؟
إن التصريحات التي صدرت عن الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني مؤخراً تحذر فيها (حكومة طبرق) من هذه الممارسة الشائنة هي في الواقع ما تزال في إطارها الدبلوماسي الناعم، ولكن إذا كانت حكومة طبرق ما تزال على موقفها الخاطئ هذا فإن عليها قبل الاستمرار فيه أن تقرأ بعناية الأحوال التي آلت إليها الحكومة الجنوبية في جوبا حين استخدمت ذات هؤلاء المرتزقة ضد السودان من جهة، وضد المتمردين عليها من قوى المعارضة الجنوبية من جهة أخرى.
أبلغ دليل على الفشل إنما يتمثل في اتساع نطاق الكارثة في دولة الجنوب دون حسم النزاع وفي الوقت نفسه خروج حركة مناوي من هناك -بعدما ضاق بها الوضع- وقبولها العمل في ليبيا! كم هي الخسائر البشرية التي خلفتها حركة مناوي خلفها؟ ما هي الفائدة التي جنتها حكومة جوبا جراء هذا العمل الخاسر؟
كما أن حكومة طبرق مطالبة بأن تقرأ في سطور المستقبل القريب حين تضطر في يوم ما لدفع فاتورة حركة مناوي هذه إذا ما تحقق لها النصر! ودفع فاتورة مضاعفة أخرى -بطبيعة الحال- إذا لم يكن النصر حليفها.
إن السودان ما يزال ينأى بنفسه عن استخدام (حق المعاملة بالمثل) حيال جيرانه، ولكن أثبتت الأحداث انه هؤلاء الجيران عادة ما يصابون بندم غير مجدي حين تصل بهم الأمور إلى المحطة الأخيرة وقد خسروا كل شيء.. حدث هذا لكثيرين من دول الجوار السوداني بوسع كل متابع للتاريخ المعاصر أن يجد أمثلة حية لهؤلاء!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق