الخميس، 20 أغسطس 2015

لا شـــيء يـــقــال!!

لا تستطيع الدموع التي ذرفتها السيدة ربيكا قرنق في بكائها المر وعويلها أول أمس في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، إعادة البسمة والأمل لشعب جنوب السودان، ولم تفلح حتى تلك الدمعات في إعادة سلفا كير ميارديت إلى قاعة الاجتماعات والرضوخ لطلب رؤساء دول «الإيقاد» للتوقيع على اتفاقية سلام مع غريمه اللدود ونائبه السابق رياك مشار، وعاد إلى جوبا غضبان أسفاً يحمل على ظهره خيبة وإحباطات لا تسعها غابات بلاده وآكامها وآجامها وجبالها، فدولة الجنوب التي حكمتها الحركة الشعبية بالقهر وقوة السلاح انتهت إلى لا شيء.. دولة معلقة في هاوية الخراب والدمار والفراغ العريض.
> كل الآمال التي توقعها الشعب الجنوبي بعد الانفصال في بناء بلده وذاته والعيش بسلام قد تبخرت في الهواء بلا رجعة، وتهاوت الأحلام، وتبين للجنوبيين البسطاء أن الحركة الشعبية ما هي إلا طاعون جائح استشرى وسطهم ودمر حياتهم وحولها إلى جحيم لا يطاق، بددت الحركة الشعبية أموال الجنوب ونهبته، وعندما عجزت عن بناء دولة والحفاظ عليها، عمدت إلى تدميرها وتخريبها وحرقها وإشعال النار في كل ركن فيها، وفتحت أراضيها لكل أنواع التدخل بما فيها التدخل العسكري اليوغندي، ودفع المواطن الجنوبي المسكين الثمن باهظاً، والله وحده يعرف أي مصير ينتظر هذا البلد المنكوب المنهوب المسلوب والمرعوب.
> منَّت الحركة الشعبية الجنوبيين بكل شيء، حتى أن نشيد الدولة الجديدة ملأ بالتعابير الشاعرية بأن الجنوب سيكون جنة عدن، ولا توجد وعود توراتية أو أنجيلية وردت في العهد القديم والجديد إلا وضمنوها في سفر الأحلام الباذخة التي أشربت في قلوب الجنوبيين، تصور لهم أن الانفصال والاستقلال عن السودان والشماليين هو الخطوة التي تسبق العبور نحن النعيم الأرضي الذي لا مثيل له إلا الفردوس الموعود.
> لكن سرعان ما تبين أن جهنم كانت موجودة في أحشاء الحركة الشعبية، تقاتل قادتها وتنازعوا السلطة والأموال وتقاسموا حتى مقادير ما أزهقوا من أرواح الشعب المسكين الذي لم يجد راحة من قتال منذ تمردهم الأول في توريت في أغسطس 1955م، فاللعنة التي حلت بهم هي النار الخادعة التي وضعتها الحركة الشعبية في أقواسها المزيفة، فلما اقتربوا منها اشتعلت في أجسادهم وبلدهم وحولتهم إلى أكوم من رماد وخطايا وفجيعة ويأس سد عليهم كل المنافذ وأطبق عليهم من كل فج وباب ومسرب.
> ما يدور اليوم في دولة الجنوب، يتجاوز الحركة الشعبية، لم تفلح كل المحاولات لإيقاف الحرب ووقف جريان الدماء كما الأنهار، لم تنجح القمة التي دعا لها الرئيس الأمريكي باراك أوباما قادة «الإيقاد» في أديس أبابا قبل أسابيع، ولا القمة في نيروبي، ولا القمة الأخيرة لهيئة «الإيقاد» في أديس التي انفض سامرها أول أمس، كل هذه المحاولات باءت بفشل ذريع، ولم تصمد كل الاتفاقيات السابقة التي وقعت من قبل في أديس أبابا وأروشا، ولم تستطع كل المحاولات الإقليمية والدولية إحراز أي تقدم أو نجاح في لجم أحصنة الحرب الهائجة، كأن الحرب الجنوبية نسيج وحده لا تعرف الهدوء ولا التسويات كالنار المعلونة تأكل نفسها وتزداد لهيباً وشواظاً!!
> عندما نرى دولة على حافة الانتحار وهي تحطم نفسها بنفسها، فنحن أمام مثال لا يضاهى من العجز والفشل، كل حطامه وخرابه ينسب إلى نخب سياسية عاشت وتعيش حتى اللحظة في وهم الآيديولوجيا المشوهة وفي كهف الأحقاد المريضة وقلة الخبرة الساحقة، فالآن يصحو الشعب الجنوبي على حقيقة قاسية ومرة تقف غصة في الحلق، من هول ما يراه ويعيشه في ظل حكم الحركة الشعبية وهي تفقده كل ما يملك وتحيل بلده إلى ركام من حريق ووطن معطوب في جميع أجزائه وأعضائه!!
> دولة الجنوب تواجه مصيراً فاجعاً، جوف الحرب البشعة الجائعة سيلتهم كل شيء بشراهة مفزعة، والقوات اليوغندية ستضع يدها بالكامل على دولة لا تقوى حتى على القيام بأعباء أدنى واجباتها من التماسك العضوي لها، وسيصحو الغرماء المتقاتلون ذات يوم ليجدوا أنهم يتقاتلون على جسد وطن ميت وشعب مفقود!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق