الاثنين، 17 أغسطس 2015

جبهة جديدة ضد الأدوات الجديدة

ما يقوم به الإخوة الأعزاء في المجموعة الوطنية لحقوق الإنسان تحت مظلة الأيكوسوك الأفريقي ليس مجرد ندوات ومؤتمرات وسمنارات متفرقة حول قضايا السودان، لقد تجاوز الأمر هذه المحطة بكثير، وكما قال لي أحد الحكماء، لسوء حظ الجنائية أنها وقعت في السودان، لو كانت استهدفت دولا هشة وذات مجتمع غير متماسك، ربما كانت تستطيع التهام القارة الأفريقية من أطرافها ومن نقاط ضعفها .. لكنها لحظها العاثر بدأت بالقطر المعروف بحساسيته المطلقة ضد الاستعمار وبالوعي الكبير بأشكال الاستعمار المختلفة.
لقد كتب الله للسودان أن يكون آخر أقطار القارة رضوخاً للاستعمار وأولها جنوب الصحراء خروجاً من ربقة الاستعمار .. لا ينافسه في ذلك سوى إثيوبيا التي لم تستعمر قط أو ناوشتها ايطاليا عسكرياً لمدة 4 سنوات ثم طردت شر طردة في معركة عدوة الشهيرة .. وكتب الله على السودان أن يكون الدولة الرائدة في قيادة التحرر في بقية الدول .. واستمر هذا حتى الثمانينات والتسعينات وانهيار الأبارتايد .. ثم دخل في تحدياته الجديدة التي تسببت في العقوبات الأمريكية ثم الجنائية وها هو يقود موجة التحرر من "الأدوات الاستعمارية الجديدة."
ما تقوم به المجموعة سيفضي في النهاية لتكوين تحالف أفريقي دولي جديد ضد أدوات الاستعمار الجديدة، نعم صحيح هنالك آلي للتضامن الأفريقية وهي نشطة ومؤهلة وتقوم بجهد كبير، ولكن يبدو أنها ستكون جزاءً من التحالف الكبير والخطير.
ما هي أدوات إعادة استعمار القارة، ولماذا ألصقت بها المجموعة وصف أدوات ولم تتحدث عن واجهات أو أذرع أو .. العقوبات الانفرادية ضد الدول تعتبر أداة استعمارية، ونموذجها العقوبات الأمريكية على السودان وعشر دول أخرى، وأمريكا هي الدولة الأكثر استخداماً لهذه الأداة.
ما يسمي بالمحكمة الجنائية الدولية، أداة استعمارية أوربية خالصة ولا علاقة مباشرة لأمريكا بها .. ولكن لأن الاستعمار "ملة واحدة" فإن أمريكا تدعم الجنائية وأوربا تدعم العقوبات الأمريكية، يحدث هذا في قمة الانتهازية .. لأنك إذا جلست مع سياسيين أمريكان تجدهم غير مقتنعين بالجنائية ومتضايقين من الارتباط بالاستعمار الأوربي .. ويملأون فمهم بالحديث عن ماضي أوروبا الاستعماري في أمريكا وعن الثورة الأمريكية في التحرر من الاستعمار البريطاني .
وإذا جلست مع سياسيين أو ناشطين أوربيين تجدهم غير مقتنعين بالعقوبات الأمريكية وينتقدون – بملء الفم أيضاً – آثارها السيئة على حقوق الإنسان .. ويقولون وأعينهم تشع بالبراءة والإنسانية .. كيف تعاقب أمريكا المزارعين وتمنعهم من مجرد شراء طلمبة مياه؟
ولكنها تتواطأ أوربا مع الحظر المصرفي وتغلق كل يوم حساباً لمواطن سوداني لا علاقة له بالحكومة ولا ذنب له سوى الاستثمار في بلاده .. وفي بعض الأحيان تغلقه بلا سبب..!
إذن لابد من جبهة عريضة وجديدة وموحدة ضد الاستعمار الجديد .. لابد من تحالف دولي كبير .. مثل التحالف الذي حدث في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وأثمر عن قرار تعيين مقرر خاص ضد العقوبات الأحادية والقسرية والانفرادية .. بقي سؤال واحد لماذا نسميها أدوات .. هل الجنائية أداة أم واجهة قانونية؟ إنها أداة فقط لا غير تستخدمها الدول الأوروبية الاستعمارية كما تشتهي وتهوى وتتمني .. وفي الوقت الذي تريد .. وكأنها مفك أو زردية في الجيب الخلفي ..!
العقوبات الأمريكية .. كلبشات تضعها أمريكا في اليد التي تريد وبالطريقة التي تريد .. ومن السخرية المقذعة في هذا الأمر أن إدارة أوباما قالت إنها رفعت أسم كوبا من قائمة الإرهاب لأنها راجعت أداء كوبا خلال ستة أشهر ووجدتها لا ترعي الإرهاب .. ولكن في حالة السودان .. تتعاون معه على مكافحة الإرهاب على مدي 13 سنة .. وتشهد بأنه متعاون ولكنها تضع أسمه في قائمة رعاة الإرهاب .. ألم أقل لكم أن هذه الأدوات مثل الزردية في الجيب الخلفي فقط لا غير ..!
التحية للمجموعة .. والتحية للمؤتمر التداولي الذي يعقد هذه الأيام في أديس أبابا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق