الأربعاء، 26 أغسطس 2015

قانون مكافحة الفساد.. هوامش على نصوص مشروع القانون!

تسلم الرئيس السوداني مؤخراً مسودة قانون مكافحة الفساد سنة 2015م. المسودة التي اشتملت على حوالي 30 مادة سلمها له وزير العدل السوداني، الدكتور عوض الحسن النور، بعد أن فرغت اللجنة المكلفة بإنشاء مشروع القانون الذي يمكن اعتباره الاول من نوعه في السودان في تاريخه الحديث، من إنجاز المهمة في وقت وجيز.
اللجنة التي أنجزت مشروع القانون علاوة على مثابرتها الواضحة في صياغة القانون والفراغ منه بأسرع وقت ممكن حرصت حرصاً واضحا على محاولة التغلب على أي صعوبات إجرائية يمكن أن تعيق مفوضية مكافحة الفساد من القيام بواجبها خاصة في ما يخص الحصانات الإجرائية التي يعتبرها الكثيرون واحدة من أكبر معيقات عمليات التحقيق، حيث أجاز مشروع القانون إمكانية استدعاء أي شخص حتى ولو كان يتمتع بحصانة قانونية أو دستورية لسؤاله عن أي ادعاء أو اتهام أو شكوى رفعت في مواجهته.
كما بدا واضحاً -وهذه نقطة جوهرية مهمة- أن مشروع القانون فتح الباب واسعاً للمواطنين عامة بالتقدم بشكاواهم ضد أي شخص أو مسئول يشتبه في ممارسته لأي فساد، داعمين شكواهم –كأمر مهم– بالأدلة والمستندات اللازمة، ومن ثم لن تتردد المفوضية في مواجهة الشخص أو المسئول المعني بما يُراد في الشكوى، ولها الحق بعد ذلك في إحالة الأمر إلى الجهة القضائية المختصة.
ليس هناك أنى شك أن مشروع القانون الجديد احدث نقلة غير مسبوقة في مكافحة أي فعل يمكن إدراجه تحت وصف الفساد، كما أنه أعطى تعريفات قانونية محددة لوصف الفساد لأن ما يقال الآن إعلامياً بصفة عامة محض حديث فضفاض عام عن الفساد، والذي في اغلب الحالات يُراد به وصف الاعتداء على المال العام. وعلى ذلك وعلى الرغم من أن مشروع القانون ما يزال قيد الدراسة والإجازة عبر القنوات المختلفة ولم يصدر رسمياً من البرلمان، إلا انه ومن واقع سماته العامة يلاحظ عليه الأتي:
أنه لم يلغ دور الأجهزة القانونية العادية المختصة (نيابة قضاء شرطة) إذ أن دور المفوضية هو دور معاون أو مساعد لهذه الأجهزة، والمفوضية لا تفعل سوى أن تقوم بإحالة الموضوع بعد التثبت منه إبتداءاً إلى الجهة القضائية المناسبة لتقوم بدورها القضائي العادي وعلى ذلك ليس صحيحاً البتة أن إنشاء المفوضية جاء خصماً على اختصاص هذه الأجهزة أو مقللاً من دورها.
ثانياً، حق المفوضية في استدعاء أي شخص حتى أصحاب الحصانات، يتيح سرعة مطلوبة لانجاز أي تحقيق في الوقت المناسب دون الحاجة لإتباع الإجراءات المتعلقة برفع الحصانة المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية 1991وفي أحيان كثيرة فإن التحقيق يتطلب سرعة للوصول إلى الحقيقة لا تتوفر في الحالات العادية لأصحاب الحصانات.
ثالثاً، وجود المفوضية نفسها وصلاحياتها المنصوص عليها وكونها تتلقى شكاوي من مواطنين عاديين وكونها تستطيع استدعاء حتى ذوي الحصانات هو في حد ذاته سبب رادع لأي شخص أو مسئول يمكن أن يرتكب فساداً لأنه سيكون واضحاً أن الإجراءات سوف تطاله عاجلاً دون تأخير.
رابعاً، أعضاء المفوضية (بالضرورة) هم من رجال القانون ذوي الخبرة وهذا ادعى للوصول إلى الحقيقة بسرعة مناسبة وتكييف للوقائع وإحالتها إلى الجهة المختصة.
وأخيراً فإن صدور القانون -كما قال بذلك رئيس البرلمان- من المجلس الوطني وعدم إصداره عبر مرسوم جمهوري مؤقت نظراً لغياب البرلمان في إجازته السنوية لا شك انه أفضل لكي يصدر كقانون عادي بإجراءات برلمانية عادية حتى يحظى بالنقاش المطلوب وينال القدر المطلوب من الاهتمام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق