الأحد، 16 أغسطس 2015

مسارات الفشل

قبل أن يحزم حقائبه متوجهاً تلقاء جوبا لتكوين الدولة الحلم كان الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم يخوض آخر معاركه مع رفاق السلام وشركاء السلطة في المؤتمر الوطني ويطلق عبارته التي سارت بها الركبان (السودان نموذج حي للدولة الفاشلة).
وفي التاسع من يوليو، أوان نهاية العلاقة بين الخرطوم وجوبا كان الذاهبون إلى صناديق الاستفتاء ينتظرون نهاية عهد الفشل بحسب الوعود من الحركة الشعبية وقياداتها.. بعد سنة فقط يكتشف الجميع أن الذاهبين جنوباً حملوا في حقائبهم (وصفة) الفشل ذاتها التي حدت بالأمم المتحدة للتحرك ودق ناقوس الخطر والخطورة بعد ارتفاع فوهات البنادق بين رفاق الأمس فدفع فاتورتها سكان جنوب السودان موتاً ونزوحاً. ما يحدث في الجنوب الآن جعل البعض يعلق بأن جوبا تقرأ من ذات الكتاب الخرطومي وأنها تمشي خلفها في كل الخطوات، لدرجة أن جوبا تختار أديس أبابا وتناقش فيها ضرورة الوصول إلى تسوية، وهي العاصمة نفسها التي تستضيف المفاوضات السودانية للوصول إلى تسوية بين الخرطوم ومعارضيها.
يبدي الصحفي المهتم بقضايا جنوب السودان عمار عوض انزعاجه حين يقول: حدث ما توقعناه؛ جوبا تلوح بالانسحاب من مفاوضات أديس أبابا وهو ما يعني تبخر الحلم في الوصول إلى سلام وتوقيع طالبت الأمم المتحدة الفرقاء في جنوب السودان إنجازه بحلول يوم غد الاثنين.. حكومة جوبا بررت خطوتها الأخيرة بأنها لن تضمن الوصول إلى سلام من المفاوضات مع رياك مشار عقب حدوث انشقاقات في حركته وهو ما يجعل عملية التوقيع معه عملية غير مجزية ولا تحقق الهدف المطلوب.
حالة الانشقاقات في الحركات المسلحة ذاتها هي حالة سودانية يمكن قراءة تفاصيلها بتتبع المشهد في دارفور ومن قبلها مشهد الحركة الشعبية نفسها في تسعينيات القرن المنصرم.
حالة الخوف التي اعترت (عوض) بدت وكأنها حالة متفق عليها في الدولة الوليدة، البعض بدا قانعاً من الوصول إلى سلام عبر هذه الجولة وهو ما يعني تمدد شبح الحرب وأن تروح مجهودات قمة الإيقاد المنعقدة في أديس أبابا لحل مشكل جنوب السودان هدراً، في وقت تتمسك فيه الإيقاد بالتوقيت المضروب للوصول إلى السلام بعد توافد الرؤساء إلى العاصمة الإثيوبية من أجل تحقيق هذا الغرض.
بيتر قديت وجنوده في مواجهة رياك مشار وجنوده يقابلهم في مكان آخر جنود الحكومة التي تدافع عن كرسي سلفاكير ميارديت دون إبعاد متعلقات الأطماع الإقليمية وتداخلات المنطقة. حالة تعدد الحركات المسلحة في نسختها تحت التكوين لا يمكن إبعادها عن تعدد إطارات التفاوض نفسها؛ فوفد الحكومة مع وفد المعارضة السلمية ووفد الحركات المسلحة، وهو ما يعيد المشهد السوداني بتفاصيله ذاتها.
شبح الفشل يهدد مفاوضات الجنوبيين والأنباء القادمة من أديس حتى الأمس تقول إن الرئيس الجنوب سوداني سلفاكير قد لا يحضر القمة، وبالتالي تنتفي إمكانية اللقاء المباشر الذي يجمعه بمشار.
في سياق ذي صلة طالبت المجموعات المتفاوضة بمد توقيت المفاوضات وتأجيل التوقيع المحدد له سلفاً في السابع عشر من أغسطس وهو ما يبدو صعباً وفقاً لما هو ماثل الآن ووفقاً للتحولات في ميزان القوة في الدولة الجديدة وفي الحركات المتمردة عليها.
وبحسب مراقبين للمشهد السياسي في دولة جنوب السودان فإن الفشل هو ما ينتظر الجولة الجديدة من المفاوضات كما أن المحاولات التي تقوم بها الإيقاد لا تجدي فتيلاً خصوصاً في ظل عبور الدولة والخارجين عليها في طريق واحد هو الطريق الذي أفضى في خواتيمه لبروز دولتين في السودان القديم.
ويجاهد قادة الإيقاد من أجل الوصول إلى تسوية في الدولة الجديدة لكن مسار مجموعة مكافحة الجفاف والتصحر يصطدم بمسارات متعارضة ومتناقضة.
وتتمسك الحكومة بقيادة سلفاكير بالمضي في مسار محدد هو المسار الذي يحفظ لقادتها مواقعهم في حكم البلاد ومشار بمعرفة السير في الطرق المتعرجة ومدعوماً بالأسطورة النويراوية يضع خطواته في طريق يحلم بأن يعيده للقصر ولكن هذه المرة في مقام الرجل الأول.
وتدعم مجموعة باقان ذاتها بالتجربة السياسية منذ أيام التجمع الوطني الديمقراطي وتحاول أن تعظم مكاسبها في معركة موائد التفاوض بعد أن عجزت في ميادين أخرى.
في الأثناء يمضي بيتر قديت بمهنته التي يجيدها في مساره تسبقه بندقيته وتدعمه التجربة هي أن السلاح صنع في وقت سابق دولة فلماذا لا يقود حامليه إلى حكمها؟.
ودعماً لمسارات التعارض أصدرت المعارضة بقيادة رياك مشار بيانا تقول خلاله إنها ترفض التوقيع على الاتفاق التوفيقي للسلام في جنوب السودان بسبب التغيير الذي أحدثته يوغندا في الاتفاق الأصلي وأن التغيير شمل نسبة مشاركة مجموعة مشار في سلطة الولايات الثلاث والتغيير الخاص بإخلاء جوبا من الجيشين بحسب البيان الذي نشرته (سودان تربيون) أمس وهو ما يؤكد أن مساراً آخر في هذه المرة تحدده يوغندا باعتبارها أحد الحاضرين في اللعبة السياسية بجنوب السودان وهو ما يعيد اللاعب المؤثر فيها باعتراف الآخرين وهو دولة السودان أو الدولة الأم.
أما السؤال عن المسار السوداني فيحدده ما ردده القادة السودانيون مراراً بالقول: "إن استقرار الجنوب فيه استقرار الشمال".
لكن بعيداً عن خطوات الراهن فإن كثيرين يؤكدون بأن السودان حدد لجوبا وحكومتها مساراتها من خلال نقل التجربة بحذافير فشلها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق