الاثنين، 17 أغسطس 2015

محددات و(مهددات) الحوار الوطني!

على الرغم من وجود العديد من الازمات المحيطة بالأزمة السودانية طوال العقود المنصرمة إلا ان أعقد ازمة راهنة يمكن اعتبارها اكثر سوءاً من الازمة المحورية نفسها، هي أزمة الرغبة العارمة في إضفاء اكبر مسحة دولية عليها. القوى السودانية المعارضة –بدون مبررات منطقية– وجراء فقدانها لثقتها فى نفسها ثم ثقتها في خصومها الحاكمين لا تثق إلا في الطرف الخارجي وتدويل الشأن السوداني في كافة مناحيه.
تتردد الآن مطالبات هنا وهناك من قبل العديد من القوى السودانية المعارضة بضرورة نقل عملية الحوار الوطني بكاملها الى الخارج! بعض الذن يتحلون بقدر من الحياء الوطني، او يتخوفون من سطوة التاريخ يديرون اللعبة بأسلوب مختلف قليلاً، يطالبون بعقد (مؤتمر تحضيري) في الخارج ومن ثم ينعقد الحوار لاحقاً! مربط الفرس هنا بالنسبة لهؤلاء المتحذلقين، أنهم يبحثون عن(ضامنين) ووسطاء ومتخصصين في الضغوط و التهديد واستخدام الاوراق! ولهذا فإن مههدات مشروع الحوار الوطني الذي يعتبر الجميع بأن بذرته كانت سودانية وتم بذرها على أرض سودانية، هذه المطالبات بإحالة اوراق الحوار الى (المفتي الدولي)!
هناك العديد من المهددات الجدية والخطيرة الآن التي تحيط بعملية الحوار سببها مطالب ومواقف القوى السودانية المعارضة للأسف الشديد نوجزها في: أولاً، محاولة المطالبة بنقل الحوار الى الخارج، وهي محاولة القصد منها ليس فقط تدويل شأن سوداني داخلي قابل للحل الوطني الداخلي بسهولة ويسر؛ ولكن اعطاء قوى أجنبية ذات مصالح خاصة فرصة تاريخية للتدخل في الشأن السوداني الداخلي من أوسع أبوابه ولعل أكثر ما يدهش في هذا المنحى ان رجلاً بخبرة وقامة السيد الصادق المهدي وفي معرض تبريره لهذا النقل الخارجي يتحجج بأن الاتفاقيات السودانية كلها من نيفاشا الى أبوجا الى الدوحة الى أسمرا وغيرها جرت في الخارج!
المؤسف في الاستدلال الغريب، ان تلك التجارب ألقت بظلال سياسية سالب ومعروفة لا يتسع المجال هنا للاشارة إليها ومن المستحيل ان تغيب عن فطنة أي سياسي ولا شك ان مقترح الحوار الوطني في جانب منه يهدف إلى توطين الحل السوداني والتأكيد على قدرة الاطراف السودانية على حل أزماتها بمفردها وبمعطيات محلية ومكون وطني خالص.
ثانياً، من مهددات الحوار الوطني ايضاً تحويل علمية الحوار من كونها (مائدة سودانية مستديرة) لوضع اطار عام لحل شامل لصالح الوطن الى (عملية تفاوض) بين طرفين إثنين طرف حاكم وطرف معارض بهدف اجراء (مساومة تاريخية) غرضها الاول والأخير تقاسم السلطة والتراضي السياسي بين المكونات السياسية والمسلحة. هذا التصور يمكن اعتباره قاتلاً لمشروع الحوار الوطني لأنه -للأسف الشديد- إذا مضى على هذا النحو فهو يترك كل المجتمع السوداني صاحب المصلحة الاولى والأخيرة في العملية خارج سياق اللعبة، مع ابقاء الازمات، واتساع نطاق حيرته.
ثالثاً، ميل بعض القوى السياسية المعارضة نحو الاستقواء -ولو نظرياً- بالحركات المسلحة بغية المناورة بالقوة وبالسلاح –وهذا واضح من خلال التحالف الكاذب بين الثورية وبعض القوى السياسية– من شأنه ان يفرغ عملية الحوار من مضمونها الوطني ويصبح الامر محض تلاعب بتحالفات تكتيكية للحصول على أعلى قدر من المكاسب السياسية لصالح هذا الحزب أو ذاك.
وعلى ذالك فإن مهددات الحوار الوطني في الواقع أخطر على السودان من أي شيء آخر بمثلما ان (محددات) الحوار الوطني المتمثلة في دخول الحوار بأيدي نظيفة وبشعور طاغ بالمصلحة الوطنية والتخلص قدر الامكان من اجندات القوى الدولية الخارجية والرغبة الحقيقية الجادة في وضع حل نهائي مستدام للأزمة، هي المخرج الوحيد من كل هذا الوضع المزري الذي يتردى فيه هذا البلد دون ذنب جناه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق