الاثنين، 25 مايو 2015

استهداف السودان عبر التمزيق العشائري!!!

ولأننا أبناء المجتمعات التي تسيطر عليها نزعات النشاط العشائري ضمن منظومات حرف النشاط البشري خاصة في منشطي الزراعة التقليدية والرعي التقليدي فإننا نجد أنفسنا أكثر إلماماً بتلك التضاريس المجتمعية التي تختلف جذرياً عن خيارات مجتمعات السودان النيلي من حيث ترتيب الأولويات ومنظومة التحديات وخيارات المناورة المنشطية المتاحة.. لأن الحصول على الماء في مجتمعاتنا يمكن أن يتسبب في صدام دموي بين الرعاة والمزارعين وكذلك خيارات البحث عن مرعى أو حتى الجدل الذي يمكن أن يندلع بين المزارعين التقليديين أنفسهم حول حواكير الأرض وحدودها خاصة بعد أن سلبت الحياة العصرية من قطاع الإدارة الأهلية الكثير من بريقه وصلاحياته.. وأهلنا هناك لا يتصادمون بالضرورة بسبب جهل أو خواء، بل بسبب حالات الاحتقانات وركام الإحباط التراكمي الذي تسبب فيه قصر نظر وضيق أفق سياسات الحكومات المركزية المتعاقبة على السودان منذ ستينات القرن الماضي اذا استثنينا سنوات التأسيس الخمس في حقبة الخمسينات الاستقلالية التي تجاهلت بجلاء تام مناهج النماء والتطور الأفقي والرأسي للحرف البشرية السائدة في أقاليم السودان البعيدة عن الشريط النيلي وتحديداً في دارفور وكردفان حيث يتمركز معظم قطيع الثروة الحيوانية في السودان وحيث يتمركز أكثر من ثلثي النشاط الزراعي المطري التقليدي وظلت الحكومات المركزية تغدق الأموال على المشاريع النيلية وعلى رأسها مشروع الجزيرة وبعض المشاريع الإعاشية الزراعية الأخرى التي تروي بالري الفيضي أو الري النيلي المباشر ولنأت اليوم لنبحث عن مشروع الجزيرة الذي كان يشكل أكبر مشروع زراعي يروي بالري المنتظم على نطاق العالم.. ولا نجد له اليوم أثر للأسف الشديد واعتمد المزارعون والرعاة في كردفان ودارفور على مواردهم الخاصة في نشاطهم التقليدي.. بل تحولوا مع مرور السنوات لأكبر ضحايا المافيا الطفيلية المركزية التي تريد الحصول على محاصيلهم وقطعان ماشيتهم وإبلهم وأغنامهم بتراب الفلوس!! نعم هذه هي المعادلة للأسف الشديد برغم أنوف دهاقنة الاقتصاد والتخطيط والاستثمار..ولنخرج اليوم بحصيلة أن الحريق الذي اندلع في دارفور واحرق كل أصابع السودان مرة للمصادمات الدموية بين الرعاة والمزارعين!! ولماذا يتصادم ويتقاتل الرعاة والمزارعين في الصين مثلاً والذين يفوقون مئات أضعاف تعداد الشعب السوداني برمته؟ ولماذا لم يتصادم الرعاة والمزارعين في كندا واستراليا والولايات المتحدة والأرجنتين وهولندا وجمهوريات السوفيت سابقاً؟ هل تكرم عباقرتنا يوما بطرح هذا السؤال المنطقي ونحن ندعي ونتبجح بأننا أمة قيادية في إفريقيا والوطن العربي؟؟!!!
بعد ستين عاماً من الاستقلال يفجر النزيف الدموي في السودان بين القبائل التي أتحدت قبل مائة وثلاثين عاماً من غير اقتصاد أو علم اجتماع أو إحصاء او تخطيط استراتيجي مزعوم لتناصر الإمام محمد احمد المهدي في جبل قدير في ثورته لقهر الطغاة والدخلاء على البلاد ولم يتوجه احد منهم بالإساءة العرقية أو العنصرية لأحد.. اننا نعجز اليوم عن رسم اللوحة التي أبدع في تفاصيلها عثمان دقنه القادم من الشرق وعبد الرحمن النجومي القادم من الشمال وعبد الله ود تورشين القادم من الغرب وهم على سفح جبل قدير مع المك آدم أم دبالو زعيم أهلنا في مملكة تقلي الذين استضافوا ذلك النسيج المجتمعي في أفق متحضر قل أن نجد له اليوم مثلاً وسط أكثر شعوب الأرض تحضراً وتمدناً ورقياً!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق