الأحد، 31 مايو 2015

حركات دارفورية مسلحة سادت ثم بادت!

لا شك أن الفصائل الدارفورية المسلحة قد تغيرات كثيراً. ولكي نكون أكثر دقة فهي تغيرت من السيئ إلى الأسوأ. فعلى سبيل المثال فإن حركة تحرير السودان التي كانت يقودها عبد الواحد وأمنيها العام أركو مناوي في العام 2005 طالتها رياح التغيير في مايو 2006 منذ أول انقسام ثم بدأت كل حركة من الحركتين المنقسمتين في حالة تدحرج وانحدار لتصل الآن -العام 2015- إلى مرحلة ما قبل التلاشي. 
وحين نقول مرحلة ما قبل التلاشي فإننا نعي ذلك بدقة، إذ أن كلا الحركتين -أحداهما بقيادة عبد الواحد والأخرى بقيادة مناوي- غائبتان تماماً عن المسرح الدارفوري أللهم إلا في شريط ضيق للغاية في سفوح جبل مرة بولاية شمال دارفور وليس لأيٍّ من الحركتين في الوقت الراهن أفضلية على الأخرى. كلتاهما تعانيان من قلة الجند، ومحدودية التسليح، محدودية الدعم اللوجستي، خطورة المغامرة بمهاجمة منطقة، أو مواجهة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لأن الثمن سيكون باهظ للغاية. 
حركتيّ عبد الواحد ومناوي الآن وفى هذه اللحظة تبذلان جهداً خرافاً مبالغاً فيه للمحافظة على حياتهما أملاً في حدوث معجزة سياسية من السماء تطيح بخصومهم في الحكومة! وليس سراً في هذا الصدد أن كلا القائدين، عبد الواحد ومناوي يفكران بجدية هذه الأيام في طرح مبادرة، تتيح لهما على الأقل الاحتفاظ بمسافة مناسبة من القوات السودانية وتضمن لهما البقاء. 
عبد الواحد محمد نور على وجه الخصوص شديد القلق هذه الأيام بسبب شعوره العميق بأن الضربة القاصمة التي تلقتها حركة جبريل والخلافات التي تسبب بها هزيمته في قوز دنقو سوف تسحب حركة جبريل إبراهيم من المشهد، ومن ثم فقد يكون هو التالي! 
شعور عبد الواحد بأنه بات قريباً من (منظار) القوات السودانية وأنه من الممكن أن يكون (وحده) أمامها، شعور يصعب وصفه فالرجل أدرك بعد فوات الأوان انه كان يتعين عليه أن يتفاوض منذ سنوات لأن العمل المسلح عمل غير دائم وغير مضمون. 
مناوي ليس بأفضل حالاً من عبد الواحد ولكن ظروف مناوي تختلف قليلاً، فهو يتخفّى الآن بقواته في المسرح الجنوبي الدامي. مناوي عمل على تكييف أوضاعه لكي يظل جزء من الأرض الجنوبية على أمل أن يتم حسم الصراع الجنوبي هناك لصالح الجيش الشعبي الحكومي. ولكم أن تتصوروا مدى ضيق أفق الرجل وعدم إدراكه لطبيعة الأوضاع واللعبة الجارية هناك. 
حركة جبريل إبراهيم هي الأخرى يمكن القول إنها تعيش بالفعل نهاياتها غير السعيدة، فعوضاً عن أن الهزيمة المريرة في قوز دنقو ما تزال تجثم على صدور (من بقي) من قادتها فإن قيادة الحركة تعيش خلافات حادة، هي ذات الخلافات العاصفة التي عادة ما تعقب الهزائم المزلزلة الكبرى، وتسبق النهايات المجلجلة. فكما هو معروف فإن الجهاز التشريعي لحركة جبريل –قبل أيام– قرر خلع جبريل من قيادة الحركة وإسنادها لخلفه. 
بعض مؤيدي جبريل وأبناء عمومته سارعوا بنفي الواقعة واستنكروها. وسواء صح ما قاله ذاك الطرف أو هذا، فإن المهم في الموضوع أن الخلاف الحقيقي قد بدأ، وأن الاختلاف في مثل هذا التوقيت وعلى مرأى ومسمع من خصوم الحركة مهلك ومدمر للحركة. 
وهكذا يمكن القول إجمالاً إن الفصائل الدارفورية المسلحة بدأت تدخل المراحل الأخيرة من حياتها، وهو أمر طبيعي للغاية لأن هذه الفصائل المسلحة لم تفهم ولم تعي أبداً طبيعة العمل المسلح، فهو محض وسيلة سياسية اضطرارية ومؤقتة لتحقيق هدف التفاوض. 
ليست هناك حركة مسلحة عاقلة تظل ترفض التفاوض وتستهين بالدولة بكاملها وتراهن على ذخائرها! الفصائل الدارفورية المسلحة راهنت على مقدرة السلاح على تغيير الواقع وما تزال تراهن على ذلك فكان من المحتم أن تسود لفترة من الزمان ثم تخضع مجبرة لقوانين الطبيعة وتستعد للفناء والاحتراق الذاتي المحتوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق