الأحد، 17 مايو 2015

حينما يتداعي الجميع لتضميد جرح دارفور النازف!

رغم  الهدوء، الذي ساد ولاية شرق دارفور عقب مواجهات دامية بين قبيلتي الرزيقات والمعاليا، إلا أن عمليات التداعي والبحث عن عقاقير  لاستئصال نهائي لفيروس الاقتتال القبلي بدارفور، والتخلي عن المسكنات التي فشلت في تضميد جرح الإقليم النازف ما زالت مستمرة..
حالة من الإجماع غير مسبوقة ونبذ مشترك لأهل البلاد بمختلف فئاتهم وأطيافهم للصراع الذي نشب بين قبيلتي الرزيقات والمعاليا والذي راح ضحيته مئات الأشخاص، وأضحي الكل يتحدث بلسان واحد "لا للاقتتال – لا – للدماء".. مبادرات من هنا وهناك وندوات ومؤتمرات تحليلية وبيانات آسفة ونابذة للعنف صدرت من شخصيات وطنية وسياسيون خلال الفترة التي أعقبت الاقتتال الأخير.
انتقاء ظاهرة
الكل تحسس الخطر فانتفت مظاهر الاستغلال والكسب السياسي بالنسبة لمطلقي البيانات والمبادرات، خلافاً لما كان يحدث في السابق ويبدو أن الجميع استشعر خطورة النزاع القبلي الذي ربما يتمدد ويجتاح الجميع.. الصحافيون جنود  السلطة الرابعة كانوا أصحاب السبق  في مواجهة ما حدث بشرق دارفور عبر مبادرة صحافيون ضد العنف وتواصل الأمر إلي مبادرتهم الأخيرة واحتشادهم بدار اتحاد الصحفيين بالخرطوم وإجماعهم علي كلمة "لا للدماء" .. وفي الجانب الأخر تداعي اكاديمون وأستاذة جامعات وقدموا أوراق عملية للصراع القبلي ومستقبل السلام في السودان بقاعة الصداقة بالخرطوم أمس "السبت" بإشراف من جامعة  امدرمان الإسلامية مركز تحليل النزاعات بالتعاون مع وزارة التنمية بولاية الخرطوم، وأدلي الأكاديميون بدلوهم فيما يدور مكن اقتتال.
الصحافيون في المقدمة
وبصورة تبدو عفوية حملت جميع الصحف الصادرة بالخرطوم عنواناً واحداً، "لا للدماء" تنديداً بالاقتتال الذي يدور بين المعاليا والرزيقات، وللمبادرة التي أطلقها الصحافيون السودانيون.. الصحفيون عبروا – لدي احتشادهم بدار الاتحاد العام للصحفيين السودانيين – يوم الجمعة – عن عميق  حزنهم لتصاعد الأحداث مؤخراً بولاية شرق دارفور.
ودعوا لوقف الحرب وإهدار موارد الوطن الناتجة عن الصراعات القبلية، مؤكدين تواصل مساعيهم ومبادرتهم سعياً لإحلال السلام في دارفور وجميع مناطق السودان، وقررو – في بيان أصدروه عقب وقفتهم الاحتجاجية مساء أمس – أن يكونوا في قلب الأزمة، بكل عقولهم وبصيرتهم وصولاً للحل الأمثل، ليس لتضميد جراح المعارك فحسب، بل لترسيخ قيم التعايش والوئام الاجتماعي الوطني.
قلب الشعب
وقال الصحفيين "إن الصحافة السودانية ظلت طوال عمرها الذي تعدي 111 عاماً قلب الشعب السوداني النابض، تحمل آماله وتصرخ بآلامه، وأمس يعتصرنا ألم يدمي القلوب علي ما آل إليه الوضع في دارفور، بعد أن أًبح  الدم رخيصاً بلا ثمن يستباح بكل أريحيه قربانا لصراعات قبلية ممعنة في اللاوعي، آخرها الدماء التي سكبت في (أبو كارنكا) بشرق دارفور بين قبيلتي الرزيقات والمعاليا، وأودن بأنفس بريئة من الطرفين لتحول مئات النساء  إلي أرامل وآلاف الأطفال إلي أيتام يزحفون نحو مستقبل مجهول، علاوة علي الأسر التي تشردت والمساكن التي أحرقت والمتاجر والمصالح التي تعطلت".
وتابع البيان "نحن جميع الصحفيين السودانيين قررنا أن نكون في قلب الأزمة، بكل عقولنا وبصيرتنا لنصبح الحل الأمثل، ليس لتضميد جراح المعارك فحسب، بل لترسيخ قيم التعايش والوئام الاجتماعي الوطني".
أرقام صادمة
الاقتتال القبلي والنزاعات التي شهدها إقليم دارفور خلفت قتلي ونازحين بالجملة، غير أن أرقاماً تبدو صادمة كشفها مركز تحليل النزاعات التابع لجامعة امدرمان الإسلامية خلال مؤتمر الصراعات القبلية ومستقبل السلام في السودان الذي عقد بقاعة الصداقة أمس وقدمت خلاله "11" ورقة علمية ودراسات أعدها محللون سياسيون وأستاذة جامعات.. عميد كلية الاقتصاد بالجامعة الإسلامية د. أمين إبراهيم آدم، قال خلال المؤتمر أن النزاعات القبلية في دارفور تسبب في مقتل ربع مليون شخص أي "250" ألف خلال ثلاث سنوات، ونزوح مليون شخص، ولفت إلي أن هذا الأمر اثر وعطل التنمية بالإقليم، وشدد علي ضرورة وضع إطار استراتيجي يحل القضية من جذورها وقال "يجب أن يتكاتف الجميع ويتفقوا علي إطار يعالج مسألة النزاعات القبلية"، وفي ذات السياق، عبرت وزيرة التنمية والتوجيه بولاية الخرطوم د.أمل البكري البيلي عن عميق أسفها لما دار بين الرزيقات والمعاليا، ولفتت إلي انه يجسد لصورة العصر الجاهلي، وقالت متسائلة "كيف يحدث ذلك ونحن في دين الإسلام الحنيف"، وثمنت مبادرة الصحفيون لوقف نزيف الدماء، ودعت إلي وضع إستراتيجية تتضافر فيها الجهود الرسمية والشعبية لاستئصال أزمة الصراعات القبلية بالبلاد.
زيادة في عهد الإنقاذ
وفي هذا السياق، كشفت ورقة قدمها المحلل السياسي د. عبده مختار موسي عن زيادة نسبة الصراعات القبلية بصورة كبيرة في عهد الإنقاذ، بلغت ثلاثة أضعاف، واجري عبده مختار مقارنة للصراعات القبلية بين الحكومات المختلفة وذكر أن الصراعات القبلية في عهد الإنقاذ بلغ 73 صراع قلبي، من جملة "96" صراع منذ الاستغلال، وأن فترة مايو شهدت 16 صراع قبلي، بينما شهد عهد  الإنقاذ 46 صراع خلال "16" سنة فقط من حكمه  الذي استمر 25 عاماً.
تحرك عاجل
ونسبة لخطورة القضية ، طالب مدير جامعة أم درمان الإسلامية بروفيسور حسن عباس، خلال المؤتمر بالتحرك العاجل لمعالجة أمر الصراع القلبي، قبل مجئ الطوفان الذي أكد بأنه لن يستثني أحد ولا يستطيع أي من أفراد السودان النجاة منه، وحمل الدولة مسئولية الاقتتال القبلي وطالب بفرض هيبة الدولة وتحقيق الاستقرار، ولفت إلي أن هيبة الدولة تحقق استقرار وقتي غير مستدام، ودعا إلي التحرك الجماعي لتحقيق استقرار وسلام مستدام، وأعلن عن أنهم سيقودون مبادرة عبر فروع الجامعة في دارفور تستهدف الرعاة وحثهم علي عدم الاقتتال.
جدوى الحراك
الحراك الذي يقوده الصحفيون والأكاديميون والسياسيون، ربما يجد صداه لدي القبيلتين والدولة في السعي لطي الخلاف بصورة وقتية، غير أن مسألة استئصال أزمة النزاعات القبلية في البلاد بتحركات عاطفية تبدو عصية.
وبالمقابل، لا تخرج التحركات عن إطار "رمي حجر في بركة ساكنة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق