الخميس، 28 مايو 2015

آخر تقليعات الصادق المهدي!

لدى مخاطبته لمؤتمر تحضيري لحزبه في كندا مؤخراً قال الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي إنهم يرتبون في ما يسمى بقوى نداء السودان لإعلان إضراب عام في السودان من اجل إزالة النظام القائم الآن!
المهدي قال لمنسوبي حزبه إن شعار حملة الإضراب العام سيكون (اعتصم، اضرب، انتفض)! ولعلنا وقبل أن نقلب آخر تقليعات المهدي السياسية هذه نتساءل عما إذا كانت كندا -وليس الخرطوم- هي التي تشهد تدشين عملية إضراب عام! إذ بغض النظر عن فرص نجاح أو فشل فكرة الرجل الجديدة القديمة، فإن (للمكان) دلالاته دون شك، إذ أن الذي (يناضل) ويقاتل خصومه وبينهما كل هذه المسافة الهائلة يصعب أخذ ما يقول مأخذ الاحترام.
أما إذا أردنا التمعن في الأوجه المختلفة لتقليعة المهدي هذه فإننا نجد من جهة أولى؛ أن الرجل رغم كل التجربة والخبرة السياسية الطويلة ما يزال يقف قبالة متاحف التاريخ، ذلك أن فكرة الإضراب العام هذه قديمة وبالية للغاية بالنظر إلى المتغيرات المهولة التي شهدها السودان في ربع القرن الماضي، فعبارة إضراب عام بدلالات المصطلح التاريخية كانت تطلق من قبل القوى السياسية المعارضة التي تسيطر -سراً أوعلنا- على النقابات العامة المؤثرة ذات الصيت الواسع، فتوقف دوران المرافق العادة، وتعطل مسيرة الحياة اليومية وتصيب الأوضاع كلها بالشلل التام. 
أما الآن فلا يختلف إثنان أن المهدي نفسه -رغم كل زعامته المزهوة هذه- لا يسيطر حتى على مكتبه السياسي في الحزب! وللرجل آلاف المجادلين ولا نقول المعارضين حتى داخل أجهزة حزبه العليا وليس أدل على ذلك من أن الحزب يعج بالخلافات والمشاكل والتيارات المتقاطعة، فإذا أضفنا إلى ذلك تساقط وانهيار المعاقل التاريخية للحزب، فإن اصطلاح الإضراب العام الذي يقول به المهدي مستحيل التحقق حتى في حدود قيادة الحزب دعك من النقابات ومنظمات المجتمع المدني. 
من جهة ثانية فإن أكثر ما يبعث على الضحك في أطروحة المهدي هذه انه وضعها كالآتي: (إعتصم، اضرب، إنتفض)! ومع أن الأمر هنا أشبه بطريقة التدريب في الحقل العسكري باعتبار أن المضمار العسكري قائم على الطاعة المجردة، فإن المهدي بدا وكأنه يقف -كقائد مهيب- وبين يديه صفوف طويلة من جماهير السودانيين تنفذ -دون مجادلة- أوامر الرجل، تعتصم ثم تضرب ثم تنتفض!
المهدي هنا بدا وكأنه يسخر سخرية مقيتة من جماهير السودانيين. وكأني به يصفهم بأنهم في انتظار إشارة منه ليعتصموا ويضربوا وينتفضوا. ومثل هذه الأمور تقدح في ذهنيته السياسية ذات الطبع الطائفي نفسها، فالرجل رغم إدعائه محبة الديمقراطية عاد الآن ليجتر أحاديث الأوامر. 
ومن جهة ثالثة فإن التساؤل الأكبر المشروع يطل هنا بقوة، إذا كان لدى الصادق المهدي هذه (القوة السحرية) في توجيه الأمور للسودانيين، ما الذي أعاق استخدام (سحره) هذا منذ أكثر من ربع قرن؟ لماذا لم يدعو المهدي منذ 25 عاماً للاعتصام والإضراب والانتفاضة؟
وأخيراً، فإن من الطبيعي أيضاً أن نتساءل عن مصير الناخبين الذين فرغوا لتوهم من اختيار رئيس البلاد وأعضاء البرلمانات، هل هؤلاء -أياً كانت نسبتهم المئوية- مأمورون هم أيضاً بتنفيذ التعليمات والأوامر المهدية؟ وإذا لم يكونوا معنيين بهذه الأمور، فهل من الديمقراطية في شيء -المهدي أحد عشاق هذه الديمقراطية- أن يتم الانقضاض على حقوق هؤلاء الناخبين والتغول على حقوقهم؟
إن مأساة الممارسة السياسية الحقيقية في السودان إنما تكمن في مثل هذه الترهات. سياسي تائه خارج بلاده وانقطعت صلته السياسية داخلياً أو كادت، ما يزال يحلم بالماضي ويدعو الناس إلى محاولة استرجاع الماضي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق