الاثنين، 25 مايو 2015

الخسائر غير المنظورة على جوبا جراء دعمها لمتمردين سودانيين!

ليس الغريب في مسلك الحكومة الجنوبية تجاه الخرطوم إتهامها المتواصل للخرطوم بدعم الأخيرة لمتمردين جنوبيين يقاتلون جوبا، فعلي أية حال يمكن فهم هذه الاتهامات في سياق استماتة جوبا لتبرير دعمها هي للفصائل السودانية المسلحة التي ظلت تقاتل الخرطوم منذ سنوات، سواء تمثلت في الحركات الدارفورية المسلحة أو قطاع الشمال. 
جوبا ولفرط انكشاف دعمها للحركات السودانية المسلحة إضافة إلى علاقاتها الوثيقة بقطاع الشمال لا تستطيع تحمل تكلفة هذه المجاهرة الواضحة بالدعم والإيواء إلا عبر إدعاء مضاد يمنحها القدر المناسب من التبرير لتزعم أنها تعامل الدولة الأم بالمثل. غير أن الأمر الغريب حقاً ألا تدرك جوبا -حتى هذه اللحظة- خطورة دعمها وإيوائها لحركات سودانية مسلحة!
إدراك جوبا لخطورة ما فعلت هو في الواقع العنصر الأكبر والمهم على طريق استقرار الأوضاع في الدولة الوليدة. ولكي نبيّن ذلك دعونا نمعن النظر بموضوعية مجردة إلى ما تفعله جوبا وهي لا تلقي له بالاً:
أولاً، إيواء جوبا للحركات السودانية المسلحة خاصة حركات دارفور، منذ أكثر من أربعة أعوام جعل هذه الحركات السودانية تدريجياً تفقد وجودها في الداخل السوداني فحركات دارفور الآن وفي هذه اللحظة فقدت صلتها بالأرض وتكمن خطورة هذا الأمر في أن هذه الحركات في المستقبل القريب وتحت وطأة ضربات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع سوف تضطر للجوء إلى أراضي الدولة الجنوبية، وهذا الأمر حدث فعلياً بالنسبة لحركة جبريل إبراهيم.
لجوء هذه الحركات إلى أراضي الجنوب سوف يفاقم من الأوضاع الأمنية للدولة الجنوبية وشيئاً فشيئاً فإن هذه الحركات وبحكم وجودها الفعلي سوف تكون عنصراً مؤثراً في المعادلة السياسية للدولة الجنوبية، بل حتى ولو لم تكن كذلك فإن أي تردي في علاقات دولة الجنوب بأي جار من جيرانها -يوغندا، كينيا، أثيوبيا- فإن جوبا سوف تستخدمها لا محالة، ومن ثم تصبح جوبا بمثابة بؤرة ومأوى لمرتزقة، قبل أن يتحول هؤلاء المرتزقة إلى عبء أمني ثقيل!
ثانياً، على فرض نجاح حكومة الرئيس كير في حسم الصراع لصالحها، فإن هذه الحركات المسلحة التي سوف تستشعر قيمة ما قدمت من خدمات، سوف تدخل في صراع محتوم مع الجيش الشعبي الجنوبي، إذ يصعب تصور قبول جيش لمليشيات أجنبية على أرضه تشاركه السيادة وتضايقه في شرفه العسكري الوطني. الرئيس كير سوف يضطر حينها -إذا تحققت فرضية نصره- إلى إصدار أوامر بمقاتلة مناصريه هؤلاء وحينها سيكتشف الرجل بعد فوات الأوان أن المهمة صعبة للغاية. 
ثالثاً، استمرار إيواء جوبا ودعمها لحملة السلاح السودانيين ومع مرور الوقت وحتى ولو دانت الأمور للرئيس كير، سوف يضعف علاقاتها الإستراتيجية بالخرطوم، ولا شك أن حاجة جوبا للخرطوم أكثر إلحاحاً من حاجة الخرطوم لجوبا! 
الرئيس كير للأسف الشديد ما يزال يجهل مخاطر هذه النقطة المدمرة ويكتفي فقط بأنه وبمؤازرة كمبالا قادر على حسم الصراع. المشكلة ليست في حسم الصراع وإنما في كلفته ما يحتاجه بشدة من الخرطوم وسوف يفقده إذا ما تمادى فيما يفعل! 
رابعاً، إذا ما تطاول أمد الصراع الجنوبي الجنوبي مع بداية نفاذ صبر المجتمع الدولي فإن من المتوقع الدفع بقوات حفظ السلام من قبل مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وهذه الفرضية باتت وشيكة وحينها فإن الرئيس الجنوبي سوف يجد نفسه مجبراً على التخلي عن الحركات السودانية المسلحة وهذا أسوأ سيناريو ينتظره لأن الخرطوم لن تغفر له ما فعل، كما أن الحركات السودانية لن تغفر له ما فعل! 
وهكذا، فإن جوبا في واقع الأمر تورطت على نحو مربك في دعمها للفصائل السودانية المسلحة وتنتظرها فاتورة باهظة للغاية، وغنيّ عن القول إن الخرطوم من المستحيل أن تتورط في دعم المتمردين الجنوبيين، فعلى الأقل هناك أضرار مباشرة تتمثل في إرتباك دفعيات النفط كما هو حاث الآن، كما أن هناك أضرار تتمثل في القفز في المجهول؛ إذ ليس معروف على وجه الدقة مستقبل الأوضاع في دولة الجنوب في ظل كثرة المتصارعين وإنتماءاتهم القبلية، والاهم من ذلك أن السودان لو قدم دعماً لمتمردين جنوبيين حتى ولو كانت طلقة واحدة لسارعت واشنطن - كعادتها- لدعوة مجلس الأمن للانعقاد!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق