الأحد، 24 مايو 2015

المعاليا والرزيقات.. النزاع الدارفوري الأكثر إثارة للقلق!

فجع السودانيون مؤخراً بالدماء المتفجرة في منطقة شرق دارفور بين قبيلتيّ المعاليا والرزيقات. المئات قضوا في المعارك الضارية وأصيب المئات. الولاية التي اندلع فيها القتال وحصدت فيها تلك الأرواح كادت أرضها أن تتحول إلى اللون الأحمر القاني.
وعلى الرغم من أن المواجهات القبلية سواء في إقليم دارفور أو كردفان أو أي منطقة أخرى من مناطق السودان ظلت منذ سنوات سمة بارزة من سمات المجتمعات الريفية إلا أن غالب المجتمع السوداني في الأحداث الدامية الأخيرة أصابه الذعر ودهمته المخاوف جراء مستوى المواجهة وشدة ضراوتها. 
صحيح أن النزاع بين القبيلتين قديم وظل يتجدد من حين لآخر لسبب أو آخر، وصحيح أيضاً إن جهوداً مضنية سبق وأن بذلت كان آخرها (لقاء مروي) الأخير في محاولة لحل الأزمة من جذورها، لكن النزاع وفق تطوراته الأخيرة بات مصدراً لقلق كافة القطاعات الشعب السوداني، عوضاً عن الحكومة سواء على مستوى المركزي أو الإقليمي، إذ تلاحظ أن السلاح المستخدم في المواجهة عالي المستوى، شديد الفتك ولم يعد السلاح ذلكم السلاح الأبيض القديم أو حتى البنادق التقليدية المعروفة حيث تشير المتابعات إلى أن نوعية السلاح المستخدم هذه المرة كان ملفتاً للنظر!
وعلى الرغم من أن الحكومة السودانية سارعت وبقدر من الحسم والعزم للفصل بين الطرفين وذلك بوضع قوات عالية التدريب والقدرة في المنطقة، وعلى الرغم من أنها قررت على وجه السرعة فرض هيبة الدولة واتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من يثبت تورطه في النزاع كائناً من كان إلا أن هذا النزاع الذي اتخذ صورة حرب ضروس تبدو عليه بعض الملاحظات المهمة المثيرة للقلق:
أولاً، صعوبة نفي وجود طرف ثالث مؤجج للنزاع. صحيح أن البعض ينفي فرضية نظرية المؤامرة، وصحيح أيضاً إن رمى طرف ثالث بالاتهام بالتسبب في النزاع يعطي تفسيراً سهلاً له؛ ولكن من المؤكد أن الطرفين المتقاتلين وبالحدة التي تقاتلا بها وقعا ضحية لطرف ما جعلهما يختاران توقيتاً سيئاً للغاية وهو مناخ العملية الانتخابية وآلية التداول السلمي للسلطة. 
كما أن التوقيت -أيضاً- مرتبط بإجراءات ولقاءات جارية بشأن بحث إستراتيجية خروج اليوناميد (بعثة حفظ السلام) من دارفور. ما المستبعد أن تكون هناك (جهة ما) تعمل على إفشال خطة الخروج هذه تحت حجة انعدام الأمن؟ ذلك على الرغم من تفويض اليوناميد يقع خارج مثل هذه الأحداث القبلية، ولكن المهم أن تظل وتيرة العنف دائرة في الإقليم ليثير ذلك امتعاض المجتمع الدولي.
ثانياً، الأسباب التي عادة تدفع طرفيّ القتال -في مجملها- أسباباً تافهة، فقد حاولنا في عبر جولة على الأرض في مسرح الحادث معرفة أسباب هذه المواجهات ولماذا جاءت هذه المرة بالذات بكل هذه الحدة؟ ولكن لم نستطع سبر غور المسألة فكل الأسباب التي سمعناها لا ترقى حتى لمستوى إيرادها كأمثلة ولو من باب أمانة النقل الصحفي! 
ومن المؤكد إن غياب الأسباب الموضوعية وإنعدام آليات الحل يعني أن هناك (من يريد) للمواجهة وبأعنف وأسوأ صورة! 
ثالثاً، أثبتت وقائع الأحداث أن السبيل الأكثر نجاعة للحل إنما يتمثل في وضع الملف بكامله في حوزة الجهات العدلية (شرطة ونيابة وقضاء) بحيث ينال كل جاني جزاءه وفق البيِّنات التي تثبت في حقه، ذلك إن الأمر أصبح هاجس أمني واجتماعي كبير لا مناص من حله إلا عبر الأجهزة العدلية المختصة وربما يسهم هذا الأمر في إعطاء كل ذي حق حقه، كما أنه يمنع -مستقبلاً- إمكانية قيام طرف بالاعتداء على الطرف الآخر، لأنَّ واحدة من أهم عقبات الحل النهائي أن طرفيّ القتال يراهنا على الحلول الأهلية (الجودية) وهي حلول في الغالب تستغرق وقتاً طويلاً، كما أنها تتركز فقط حول دفع الديات والتعويضات!
لو أن السلطات المعنية ركزت على مقاضاة الجناة وأنزلت بهم عقوبات السجن والإعدام وغيرها من العقوبات الجنائية فإن مثل هذا أدعى لتثبيت هيبة الدولة وحسم النزاع من جذوره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق