الأحد، 31 مايو 2015

حينما يحتفل السودانيون بتنصيب إرادتهم السياسية!

من المؤكد أن السودان -هذا الأسبوع- يضع قدميه على أعتاب مرحلة سياسية ودستورية جديدة لا نغالي إن قلنا إنها غير مسبوقة. لا يعتبر حدث تنصيب الرئيس البشير الذي يشهده السودان ويعيش فعالياته محض حدث دستوري معتاد ولكنه في الواقع مؤشر لبداية تدشين دورة دستورية جديدة عنوانها الأبرز استدامة الديمقراطية والحوار والوفاق الوطني العريض. 
وتكمن أهمية هذه المرحلة الجديدة ذات المذاق المختلف في عدة نقاط إستراتيجية مهمة: أولاً، تدشين المرحلة الجديدة يأتي وفى ظل إصرار سياسي محمود على عدم ترك البلاد مهما كانت الظروف نهباً لأي فرا غ دستوري، فقد أقيمت الانتخابات العامة رغم معارضة البعض لها تأكيداً على أنها صمام الأمان الوحيد المتاح الذي يحول دون انزلاق البلاد في نزاع أهلي واسع النطاق ومن ثم فإن الانتخابات العامة التي جرت في ابريل 2015 إنما أعلت من عنصر الاستقرار في السودان وزادت من فرص استقرار اكبر في المرحلة المقبلة؛ ولهذا وحين تجري عمليات التنصيب هذه فإنما تعبر عن استبشار الكل بمرحلة استقرار في الدورة الرئاسية المقبلة ربما تصل ذروتها بالتوصل إلى سلام شامل مع الفصائل المسلحة المختلفة والقوى السياسية المعارضة. احتفالات التنصيب في حقيقتها ليست سوى احتفالات بمرحلة سياسية أكثر استقرار بدت مؤشراتها على الأفق العريض.
ثانياً، التمثيل السياسي الملحوظ للعديد من الأحزاب والقوى السياسية في البرلمان القومي والبرلمانات الولائية، واحتمال مشاركة بعض القوى السياسية في الجهاز التنفيذي يمكن اعتباره دفعاً أيضاً باتجاه مرحلة جديدة. 
صحيح أن بعض القوى السياسية المهمة ما تزال بمنأى عن عملية الوفاق وصحيح أيضاً أن التجاذبات في الساحة السياسية ما تزال قائمة، ولكن مما لا شك فيه أن وجود قوى سياسية فاعلة (الاتحادي بكل فصائله، الأمة بأغلب فصائله، الشعبي، وبعض القوى المعارضة) وجود هؤلاء في عمق الأداء السياسي والتنفيذي حتى ولو كان محدوداً ونسبياً فيه دلالة على إمكانية خلق فرص أفضل للوفاق والتوافق الوطني على المدى القريب والمتوسط، ففي الدورة السابقة (ابريل 2010) لم يكن المؤتمر الشعبي قريباً من الحكومة كما هو الحال الآن، كما لم يكن الاتحادي الأصل بذات الفاعلية الحالية ولم تكن القوى الجديدة كما هي الآن. 
إذن هناك إمكانية لاتساع ماعون العمل السياسي, وهناك مؤشرات على أن الساحة السياسية سوف تتسع أكثر حتى للذين يفضلون المعارضة طالما أن هنالك قضايا وثوابت وطنية. 
وعلى ذلك فإن الاحتفاء بهذه الدورة الحكومية الجديدة ما هو إلا احتفاء بإمكانية التغيير الايجابي، التغيير لصالح المستقبل ولصالح الممارسة الديمقراطية. 
ثالثاً، تدشين هذه الدورة الجديدة هو أيضاً بمثابة تدشين لعلاقات إقليمية ودولية بدأت فعلياً في التحسن وتجاوز الماضي. ذلك إن الانفراج على نطاق المحيط العربي (الخليج عموماً) والانفراج النسبي المرشح لانفرج اكبر على المستوي الدولي خاصة الولايات المتحدة، كلها مؤشرات واعدة تصب في مصلحة تطور مصالح الدولة السودانية الإستراتيجية وإمكانية العبور بهذه الدولة –ولو بعد حين– من مربع العزلة ومحاولة التقليل من الشأن إلى نطاق أكثر أثراً وثمراً. 
وعلى ذلك فإن السودانيون في عمومياتهم حينما يفرحون بانجاز سلطة سياسية جديدة اختاروها بمحض إرادتهم ووثقوا فيها ومنحوها تفويضاً للمرحلة المقبلة، لا يفرحون بانتماء حزبي هو ضيق مهما اتسع ولكنهم يفرحون بثباتهم على مبادئهم الوطنية، ونجاحهم في الحيلولة دون سقوط دولتهم تحت سنابك خيل صراع أهلي دامي كما يري حالياً في العديد من بلدان المحيط العربي والإفريقي، الذين راهن بعضهم -بكل سوء نية و سوء تقدير- على إفشال العملية الانتخابية لكي يسود سيناريو الدماء والأشلاء وحروب الشوارع والأزقة.
لقد أغلق الأذكياء في هذا البلد الباب إغلاقاً محكماً أمام أية إمكانية لانفلات الأوضاع في هذا البلد وهذه وحدها مناسبة وطنية باذخة تستحق الاحتفاء والاحتفال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق