الأحد، 31 مايو 2015

لاهاي ونيويورك ومحاولة تشويش على الخرطوم!

من القضايا التي باتت محل اتفاق المراقبين وخبراء القانون على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي -بغض النظر عن الايدولوجيا والتوجهات السياسية- أن أحداً لم يثبت إن محكمة الجنايات الدولية منذ إنشاءها عام 2003 أنها محكمة سياسية إنتقائية من الدرجة الأولى كما فعلت المحكمة نفسها! 
محكمة الجنايات الدولية منذ أن عرفها العالم أطلت عليه بوجه سياسي كالح وتجلت بوضح عمليات المحاصصة والمساومات الدولية التي غالباً ما تقوم بها القوى الدول الكبرى. ذلك إن مجرد منح مجلس الأمن الدولي -بكل ما يعنيه هذا المجلس من تمثيل لمصالح الدول التي يتكون منها- اختصاصات أصيلة في الإحالة، والمتابعة، وإمكانية  سحب ملف القضية وتجمديها؛ مجرد هذا الاختصاص بالكيفية المنصوص عليها في النظام الأساسي المنشئ للمحكمة، كان أول دليل على أن آخر ما تهدف إليه هذه المحكمة هو تحقيق العدل! 
ولهذا فإن قادة الدول الإفريقية الذي لاحظوا أنهم -هم وحدهم دون سواهم- الذين تجري ملاحقتهم بواسطة المحكمة سرعان ما أدركوا مغزى إنشاء المحكمة، ومغزى وضع مقودها في يدي مجلس الأمن، وقرروا بالإجماع عدم التعاون معها! 
ولأن المحكمة يصعب عليها خلع ثيابها السياسية، فإن خطوة القادة الأفارقة هذه أثارت قلقها وكان الدليل الثاني الساطع، أن المحكمة سارعت بتقليل أنشطتها، في مسلك واضح للإنحاء للعاصفة، ريثما تتمكن القوى الدولية بطرقها الخاصة من السيطرة على القادة الأفارقة لإبطال قراراهم. 
وإمعاناً من مدعي عام المحكمة في هذا المسلك فقد سارعت المدعي العامة القامبية (فاتو بنسودا) كما هو معروف لوضع ملف تحقيقات إقليم دارفور على منضدة مجلس الأمن، متظاهرة بفشلها كمحكمة في إيفاء الملف حقه وجلب المشتبه بهم إلى العدالة!
لم يكن الأمر يحتمل أكثر من (تهدئة اللعب) والتظاهر بأن المحكمة تميل إلى اللين والنعومة ولا تسعى لملاحقة القادة الأفارقة. وكما قلنا فإن المحرك الأساسي للمحكمة لا يبدو انه قادر على الكف عن الدوران، فحين شعر المدعي العام وشعر أعضاء مجلس الأمن أن الرئيس السوداني حصل مؤخراً على ثقة الناخبين السودانيين ومُنِحَ دورة رئاسية جديدة مدتها 5 سنوات وأن السودان بصدد الاحتفال بتنصيب البشير رسمياً وسط حضور إقليمي دولي في الثاني من يونيو المقبل؛ فإن التحرك قد بدأ على الفور. حيث تواتر أنباء من لاهاي ونيويورك بإعتزام المدعي العام استغلال المناسبة السياسية السودانية بتنصيب البشير لإفساد هذا المحفل الإقليمي والدولي وقطع الطريق عليه! 
ولا يبدو أن هذا التطور يشكل قلقاً للمسئولين السودانيين وعامة السودانيين، من واقع أن هذا البلد الذي لاقى الأمرّين من ممارسات سابقة لمجلس الأمن الدولي عبر عشرات القرارات التي أصدرها بحقه، الأمر لا يعتبر جديداً عليه، فقد تعايش السودان -حكومة وشعباً ولأكثر من ربع قرن- مع مثل هذه التصرفات الدولية واكتسب مناعة طبيعية حيالها. 
غير أن المؤسف في الأمر في مجمله أن محكمة الجنايات الدولية ما تزال تمضي في ذات الاتجاه السياسي المرتبط بالمصلح الدولية بما يفضي، بل أفضى بالفعل إلى إهالة التراب على إمكانية إنشاء عدالة جنائية دولية حقيقية تساوي بين الجناة في العالم كله. 
لن تستطيع محكمة الجنايات الدولية وهي تحمل على ظهرها هذا الحمل السياسي والمصالحِي الثقيل أن ترسخ لقضاء جنائي دولي أمين وجاد. ومن جانب آخر فإنها سوف تخسر معركتها الخاسرة أصلاً مع شعب السودان إذا كانت ما تزال تعتقد أنها قادرة على المساس بصميم سيادة هذا الشعب والحط من قدره وكرامته بهذه الطريقة. 
ربما كان أقصى ما ترنو إليه أن تعيد ترديد ذات ذلك الطنين والتشويش على القيادة السودانية، أو ربما تعيد وضع نفسها في صدارة الصيت الإعلامي الدولي ولكنها بكل تأكيد لن تفعل أكثر من ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق